سياسة التسعير “غير المنصفة” تبدد حصة الحكومة السورية من محاصيلها
دمشق ـ نورث برس
كما تنفق الحكومة السورية المليارات على تدريس الشباب الجامعيين من أطباء ومهندسين وغيرهم، ومن ثم تدفع بهم إلى الهجرة بسبب انخفاض الأجور التي يحصلون عليها مقابل عملهم في وزارت الدولة ومؤسساتها، كذلك الحال مع محاصيلها الزراعية الرئيسية منها خاصة، بحسب مهندسين زراعيين.
وتقدم الحكومة بعضاً مما تحتاجه الزراعات الرئيسية، وفي السابق كانت تقدم كل ما تحتاجه هذه الزراعات من بذار ومحروقات والسماد وبالسعر المدعوم.
وفي الحلقة الأخيرة عند الإنتاج تحدد تسعيرة للمحصول أقل من التكاليف بطريقة تفتح الباب واسعاً لحصول التجار على هذه المحاصيل، كما تحصل الدول الأوروبية على الأطباء مثلاً الذين كلفوا مليارات الليرات حتى وصلوا إلى التخرج، بحسب مهندس زراعي فضل عدم ذكر اسمه.
والقصة الأحدث هي مع محصول التبغ، حيث سعرت مؤسسة التبغ كيلو النوع الممتاز من التبغ بمبلغ لا يتجاوز 4500 ليرة، في حين يدفع التاجر ثمن الكيلو ما لا يقل عن 20 ألف ليرة، وتدفع المؤسسة للنوع المتوسط بين 2500 إلى 3900 ليرة، بينما يدفع التاجر لهذا النوع نحو 10 آلاف ليرة.
لكل هذا يقول إسرافيل حسن وهو مزارع من بلدة القدموس في طرطوس لنورث برس، إنه سيبيع ما زرعه للتجار وليس للمؤسسة، رغم أن القوانين تفرض عليه بيعه لمؤسسة التبيغ.
لكن المشكلة لو فعل “فسيخسر” لأن التسعيرة لم تلحظ التكاليف التي دفعها هذا الموسم على بند واحد فقط وهو صهاريج المياه التي اضطر لشرائها.
ومياه الري هذا العام غير متوفرة ناهيك عن انحباس الأمطار الذي جعل معظم المزارعين يشترون مياه الري بالصهاريج، ومن لم يستطع تحمل كل هذه التكاليف ترك محصوله دون رعاية ليموت في أرضه، بحسب المزارع.
ضياع القليل
واللافت في الأمر أن الإنتاج الذي تعلن عنه الجهات الرسمية هو دائماً أقل مما كان مخططاً له، وعوضاً عن العمل على استلام كل الإنتاج يتم التعامل مع المنتجين بطريقة تدفعهم للجوء إلى التجار وتهريب إنتاجهم لعدم البيع للجهات الرسمية، التي تكاد تقتصر حصتها على الأسوأ من الإنتاج الذي لا يأخذه التجار، كما قال المزارع “حسن”.
ففي هذا العام انخفض إنتاج التبغ المتوقع من 12.5 مليون كيلو إلى 7.5 مليون كيلو فقط لأسباب كثيرة منها الجفاف وقلة الأمطار.
وقال مهندس زراعي وهو رئيس بلدية في منطقة الغاب، لم يرغب بذكر اسمه، لنورث برس، إن طريقة تعامل الحكومة مع موضوع التبغ غير عادلة أو منطقية.
وأشار إلى أن سعر الكيلو العالمي يصل إلى 100 ألف ليرة، ولكن مؤسسة التبغ تأخذه من المزارع بسعر وسطي لا يتجاوز أربعة آلاف ليرة.
وقال إن المزارع خسر هذا العام مع ارتفاع التكاليف لكل شيء، وإنه لم يحصل على كل المطلوب من الجهات الرسمية كحاجته من المازوت مثلاً.
ويشتري المزارع لتر المازوت بمبلغ يصل إلى أربعة آلاف ليرة للتر، وقد احتاج من استخدم الري على الآبار الارتوازية في الساعة إلى نحو 15 لتراً لم يقلّ سعرها عن 60 ألف ليرة للري فقط.
في حين لو حصل على المازوت بالسعر النظامي، بحسب المصدر، وهو 500 ليرة “كانت التكلفة في الساعة 7500 ليرة فقط، وهذه ليست كل التكاليف، بل ارتفعت أسعار كل شيء من اليد العاملة وغيرها، وجاءت التسعيرة دون التكاليف”.
وتساءل المهندس “عما يحول دون شراء كيلو التبغ من المزارع بسعر أعلى إذا كانت الدولة رابحة وتبيع الكيلو بمبلغ لا يقل عن 40 ألف وقد يصل إلى 100 ألف فلماذا لا تسعر كيلو التبغ بمبلغ 10 آلاف ليرة، أو 6 آلاف كحد أدنى لإنقاذ المنتج؟”.
ويشدد على أن المساحات المزروعة انخفضت إلى أكثر من الربع في منطقة كالغاب. “فمن كان ينتج 800 كيلو لم ينتج هذا العام أكثر من 250 كيلو”.
وكان رئيس لجنة الإشراف على موسم شراء محصول التبغ في مؤسسة التبغ أيمن قره ذكر لإحدى وسائل الإعلام المحلية، أن التسعيرة توضع بناء على دراسة تقوم بها لجنة تضم وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين ومؤسسة التبغ، وأنه يحق للمزارع الاعتراض على التسعيرة.
الحال ذاته
وينطبق الحال ذاته على محصول القمح، حيث تحتاج سوريا إلى كل حبة قمح بعد خروج الكثير من المناطق المخصصة لزراعة القمح عن سيطرة الدولة، وبعد النقص الكبير في كميات القمح المطلوبة شهرياً.
وخصصت وزارة الزراعة كل الأسمدة المتاحة عندها لمحصول القمح، ولكن جاءت التسعيرة لتجعل ما تحصله الحكومة من إنتاج القمح لا يصل إلى 400 ألف طن قمح بينما كانت تتوقع أن لا يقل الإنتاج عن مليون طن ونص.
ويضيف المهندس الزراعي أن الحكومة لم تستلم كل المحصول الذي أنتج ودعمته، وذلك بسبب التسعيرة المنخفضة أيضاً.
“وسعرت الحكومة كيلو الشعير بمبلغ 1400 ليرة، بينما كان سعر كيلو القمح لا يتجاوز 900 ليرة، وكان الأجدى بالجهات المعنية أن ترفع السعر إلى ما لا يقل عن 1500 ليرة”.
ولكن لأن هذا لم يحصل، بحسب المهندس”، باع الكثير من المزارعين إنتاجهم كعلف، وبذلك أصبح القمح علفاً للحيوانات، وبالتالي صناعة الخبز من القمح المستورد الذي لا يصلح إلا كعلف.
وتساءل على أي أساس تسعر الحكومة المنتجات؟. ليجيب إنه “الفشل الإداري وفشل التسعير، تماماً كحال الخريج الجامعي الذي أصبح يكلف أهله الملايين، والدولة عشرات الملايين وعندما يتخرج تعطيه الدولة أجراً لا يتجاوز 20 دولاراً لا تطعمه ولا تسقيه”.
وأشار المهندس إلى أن هذا المرتب، الذي يتقاضاه الطالب بعد بدء العمل، “يعني تدمير كل ما تبنيه الدولة، إذ ما فائدة تدريسهم إذا كانوا سيتخرجون ويخدمون في بلد آخر؟”.