إجراءات حكومية قاسية في حلب تدفع التجار للإغلاق ومغادرة البلاد
حلب – نورث برس
لا يخفي سعيد العقاد (46 عاماً)، نيته بإغلاق محمصته في حيّ الشعّار في حلب شمالي سوريا، إضافة لتصفية البضائع في محله لبيع المكسرات والموالح في حي حلب الجديدة.
الرجل الذي توارث مهنة تصنيع الموالح وبيع المكسرات من والده وجدّه، قرر بيع كل ما يملكه في المدينة والسفر الى الكويت، بعد أن ضاق ذرعا بالإجراءات الحكومية والقرارات “التعسفية” التي أضرت بالتجار والسكان، على حد وصفه.
ويضطر تجار وأصحاب مشاريع في حلب، بسبب الإجراءات والضرائب الكبيرة التي تفرضها الحكومة، إضافة للزيارات المتكررة للجان المالية والمحافظة والجمارك، لإغلاق مشاريعهم والهجرة إلى خارج البلاد.
يقول “العقاد”، لنورث برس، إن تجارة الموالح تراجعت “بشكل كبير”، وانخفض حجم المبيعات سواء بالجملة أو المفرق.
“فالسكان باتوا حتى عاجزين عن شراء أساسيات الحياة، أما الموالح والمكسرات وحتى التمور والشوكولا والفواكه المجففة فباتت من الكماليات، لا يشتريها إلا اصحاب المداخيل المالية الجيدة والعالية، وهؤلاء باتوا أقلية في حلب”.
ضرائب و”مضايقات”
ويشير “العقاد” إلى أن العمل استمر رغم ذلك، وإن كانت وتيرته منخفضة وأرباحه قليلة”.
لكن بعد القرار الحكومي بمنع استيراد بعض المواد ومنها المكسرات، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر من السابق، أضحت محمصة “العقاد” ومحله التجاري هدفاً للجان الحكومية، من مالية وجمارك ومحافظة وبلدية وحتى القوى الامنية والشرطية.
“يوم أمس صادرت الجمارك أكثر من 300 كيلوغرام من التمور بذريعة عدم وجود فواتير”.

وقبلها فرضت المالية على المحل مبلغ 600 ألف ليرة كمخالفة، لبيع مواد بسعر أعلى من التسعيرة الحكومية.
والشهر الماضي، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قراراً يقصي بإيقاف استيراد 20 مادة بينها الجوز واللوز والكاجو والزبيب والتمر.
يقول “العقاد”، الذي يخطط للهجرة إلى دولة الكويت، إن “الوضع لا يطاق، ومن الضروري أن اغادر البلد كي أستمر في عملي”.
ويصمم حسين الناصر (43 عاماً)، وهو مالك وكالة لبيع الأدوات المنزلية وتجهيز المطاعم والمطابخ بحي الموكامبو في حلب، على إغلاق وكالته والتوقف عن البيع، بسبب الإجراءات أو ما يسميها ب”المضايقات الحكومية”.
ويقول إن أغلب البضائع في وكالته مستوردة اما من الصين أو ماليزيا أو سنغافورة، وبعضها ذات منشأ أوربي من فرنسا وإيطاليا، “وهي بضائع ذات جودة عالية أدفع قيمتها بالدولار”.
لكن الحكومة تطالب التاجر بوضع تسعيرة بالليرة السورية “لا تنتمي للواقع بصلة”، على حد وصفه.
إغلاق وهجرة
ويعتقد “الناصر” أنه لن يتمكن حتى من شراء البضائع التي يبيعها مجدداً، نظراً لتدني قيمة الليرة مقابل الدولار”.
ويقول بيأس: “سأغلق وكالتي، ولتتخذ الحكومة الإجراء الذي تريده فالوضع أضحى مأساوياً”.
ويقول تجار، إن الجمارك والمالية، إصافة للبلدية وحتى الفرقة الرابعة وبعض الأجهزة الأمنية، تلاحق التجار وأصحاب المحال ممن يمتلكون مصالح تجارية كبيرة أو حساسة كمحال صياغة الذهب في المدينة.
وإذا ما استمرت تلك الإجراءات، فلن يتبقى في حلب كلها محل تجاري مشرع الأبواب، الكل سيتجه للإغلاق والإضراب عن العمل.
فهؤلاء هم هدف يسعى وراءه الجميع لتحصيل أموال أو فرض ضريبة أو لمصادرة ممتلكات، بحسب التجار.
ونهاية أيار/ مايو الماضي، كشف وزير المالية السوري، كنان ياغي، عن تحصيل مئات المليارات من “الفاسدين”، وتوعد بمحاصرة ظاهرة التهرب الضريبي، واستمرار ملاحقة المتهمين بها.
وبسبب الإجراءات الحكومية “القاسية”، عمد الكثير من التجار ومن بينهم علاء رزوق (53 عاماً)، وهو تاجر ألعاب أطفال وإكسسوارات في حيّ المشارقة في حلب، لإقفال محله والتوقف عن البيع.
فيما يكتفي آخرون بتصريف البضائع التي بحوزتهم وامتنعوا عن شراء بضائع جديدة.
ويقول “رزوق”: “بالأمس ألقى الأمن القبض على شريك لي بالتجارة يدعى حسين كعكة، بعد أن داهموا سيارته أثناء خروجه من محلنا التجاري في حي المشارقة”.
ويضيف أن المبلغ الذي ضبط بحوزة التاجر (550 دولار)، من الطبيعي أن يتواجد مع تاجر له تعاملات تجارية مع مكاتب الحوالات والتصريف.
“لكن التهمة وجهت له بالإتجار بالدولار وتخريب الاقتصاد الوطني”.
ويتساءل التاجر: “لا أدري من يخرب الاقتصاد هل الذي يحرك السوق الراكدة ويوفر مستلزمات السكان وفرص عمل للعمال أم من يدفع التجار للهروب من البلاد وإغلاق المصالح؟”.
ويتخوف “رزوق” من أن يستدعيه فرع الأمن الجنائي، بعد اعتقال شريكه.
ويسعى التاجر لتصريف البضائع لديه استعداداً للرحيل من البلاد، “لربما أجد مكانا آمناً للعيش والعمل بحرية بعيداً عن أجواء الرعب التي نعيشها”.