حياة تستقبلك بالقذائف.. أمٌ من تل تمر تنزح رفقة رضيعها عقب ولادته

ديرك- نورث برس

ما تزال حليمة خضر (31 عاماً) قلقة على مصير رضيعها وأخويه بعد نزوح العائلة، الشهر الفائت، إلى مخيم نوروز قرب مدينة ديرك أقصى شمال شرقي سوريا بسبب القصف التركي على بلدتي تل تمر وأبو راسين بريف الحسكة الشمالي.

تجلس الأم في فيء خيمة لا تحجب ضوء الشمس تماماً، فتتخذ من جسدها ساتراً إضافياً لتوفير ظل كامل لرضيعها الذي تحتضنه جالسة.

خمسة أيام فقط كانت قد مرت على ولادة الرضيع حين سقطت قذيفة على منزل خاله المجاور وأخرى على منزل عائلته في ريف بلدة تل تمر شمال الحسكة.

تقول الأم إن الخوف من القذائف التي أيقظتهم تلك الليلة دفعها وزوجها للفرار من الأفرشة مع طفليهما لينسيا للحظة أن العائلة تضم منذ أيام قليلة فرداً آخر غفلوا عنه وعاد الأب لإحضاره.

ومنتصف آب/ أغسطس الفائت، تعرضت بلدتا تل تمر وأبو راسين وريفاهما شمال الحسكة لقصف تركي عنيف أصبح دامياً خلال الأيام اللاحقة ليسفر عن عشرات القتلى والجرحى.

وأصبحت العائلات، التي قضت عاميها الأخيرين بين نزوح قريب وعودة للمنازل، قد لا تتخللها سوى ساعات أحياناً، أمام مخاطر مباشرة تهدد حياة أفرادها الذين رفضوا النزوح سابقاً خوفاً على منازلهم وممتلكاتهم.

ومعظم العائلات التي نزحت من المنطقة هي نازحة بالأصل منذ الغزو التركي لمنطقتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض عام 2019، إلى جانب أخرى طال القصف منازلها.

وقضى ما يقارب من 12 ألف طفل سوري في الحرب الدائرة منذ أكثر من عشر سنوات، بينما لا يتمكن حوالي 2.45 مليون منهم داخل البلاد و750 ألفاً آخرين في الدول المجاورة من الذهاب إلى المدرسة بسبب النزوح والدمار، بحسب تقرير لليونيسيف نشر في آذار/ مارس الماضي.

فصول حرب لمّا تنتهِ

تقول حليمة إنها لم تكن تعلم أن رضيعها “أنس” سيعيش حياة نزوح منذ اليوم الخامس من عمره، ليعاني قسوة الحياة في مخيم يفتقد للرعاية وللكثير من مستلزمات الحياة الضرورية.

تتذكر يوماً قبل نزوحها: “بسبب شدة القصف، غادرنا المنزل دون أن نأخذ معنا طفلنا الرضيع، وعاد والده في وقت لاحق وأنقذه”.

وتضيف: “سقطت قذيفتان، إحداهما منزل أخي المجاور، هرعت لمساعدة أطفاله إلا أن أخرى أصابت منزلي، نحمد الله أن أحداً لم يمت يومها”.

وبسبب الذعر الذي كانت تعيشه المرأة مع أطفالها تحت القصف التركي ودويه، وبعد إصابة طفلها الأوسط بشظية في كتفه، قررت حليمة النزوح إلى خارج المنطقة.

تقول الآن إن الجلوس والاسترخاء لم يكونا متوفرين في منزل طاله القصف وأصيب فيه أحد أبنائها، “كانوا يرتجفون مع صوت سقوط القذائف”. 

وطال القصف التركي بنى تحتية أبرزها شبكات ومحطات المياه والكهرباء التي انقطعت عن عشرات القرى.

وتحمل جهات أهلية وعسكرية محلية الجانبين الروسي والأميركي مسؤولية استقرار المنطقة بوصفهما الضامنين لاتفاقي وقف إطلاق النار مع تركيا.

والشهر الفائت، طالب المجلس  العسكري السرياني (ضمن قوات سوريا الديمقراطية) روسيا “بأخذ دور فعال أكثر لوقف إطلاق النار في منطقة التصعيد واتخاذ موقف في مواجهة الانتهاكات التركية وما تقوم به من قصف للمدنيين والمؤسسات المدنية والتعليمية والتي تناقض المواثيق الدولية”.

وتضم منطقة تل تمر مكونات مختلفة من كرد وعرب وآشوريين، إلى جانب نازحين يعيشون في المنطقة منذ العامين 2018 و2019.

وفي السادس والعشرين من آب أغسطس الماضي، وصلت عائلة حليمة إلى مخيم نوروز بريف ديرك، والذي أعيد افتتاحه عام 2019 .

وقبل أسبوعين، وصلت 61 عائلة هربت من القصف التركي على تل تمر وزركان والقرى التابعة لهما، إلى ديرك حيث قامت الإدارة الذاتية بنقلها إلى مخيم نوروز.

ووصل العدد، مع عائلات جاءت بشكل فردي، إلى 411 عائلة تضم 1.880 فرداً في المخيم، بحسب نديم عمر وهو مسؤول العلاقات في مخيم.

ورغم ابتعاد العائلة عن القذائف التركية، لكن مواجهة تحديات جديدة أبرزها الاحتياجات المعيشية ورعاية الأطفال تبدو حاضرة.

يقول تقرير اليونيسيف إنه “ما من منتصر في هذه الحرب، بينما تلحق الخسارة الكبرى بأطفال سوريا”.

ويضيف أن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة في سوريا يعانون من التقزُّم نتيجة سوء التغذية المزمن.

رعاية ضعيفة ورضّع بلا حول

يبلغ أنس، الآن، ما يقارب شهراً، يبكي بصوت خافت وقد احمرّ وجهه في الصيف الذي سجلت فيه ديرك درجات حرارة مرتفعة، بينما تقلق الأم إزاء احتياجاته وأخويه اللذين يبلغان ستة أعوام وثمانية أعوام.

 تعدل الأم جلستها كلما مرت لحظات وكأنها تبحث عن الأنسب لحماية الرضيع من لهيب الشمس والأرض معاً قرب خيمتها الفارغة سوى من بضعة أوان للطبخ وبعض الأغطية.

ويشترك 573 رضيعاً آخرون في مخيم نوروز، تقل أعمارهم عن عامين، الظروف التي يقاسيها الوافد الجديد.

 وتقوم منظمة إنقاذ الطفل بتقديم الاحتياجات الأساسية لهؤلاء، بينما يتولى الهلال الأحمر الكردي أمور الرعاية الصحية، بحسب إدارة المخيم.

وتتحسر حليمة على حياتها وأطفالها في قريتها خربة السودا بريف بلدة تل تمر، فقد كان هناك منزل رغم أنهم كانوا يغادرونه في ليالي كثيرة كلما اشتد القصف خلال العامين الماضيين.

كما تقول أن زوجها أصبح عاطلاً عن العمل، فتأمين احتياجات العيش بات صعباً هنا.

ويشتكي الوافدون الجدد إلى مخيم نوروز من قلة المساعدات وعدم كفايتها، لا سيما الغذائية، بحسب شهادات سابقة أدلى بها نازحون لـ “نورث برس”.

ويضم مخيم نوروز، الذي أعيد افتتاحه إبان الهجوم التركي على منطقتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض عام 2019، 715عائلة مؤلفة من 3.420 فرداً.

وتعاني مخيمات النازحين في مناطق شمال شرقي سوريا من شح المساعدات الإنسانية الأممية بسبب تحكم حكومة دمشق بها وسط استمرار إغلاق معبر اليعربية بسبب الفيتو الروسي في الأمم المتحدة على إعادة افتتاحه.

ورغم أن وتيرة القصف على منطقتي تل تمر وأبو راسين قد تراجعت هذا الشهر، إلا أنها تكررت حتى الأيام السابقة على قرى آهلة هناك.

ما زالت “حليمة” تتواصل مع أقاربها المتواجدين في القرية الذين أخبروها أن القصف رغم تقطعه ما زال متكرراً في المنطقة، الأمر الذي يصعّب عليها العودة القريبة لمنزلها حالياً.

يتقلب أنس ويتثاءب في ظل خيمة تتمنى والدته ألا تطول إقامة العائلة فيها، بينما تدمع عيناها حين تعدد أقاربها الذين فضلوا البقاء في منازلهم رغم المخاطر.

إعداد: سولنار محمد- تحرير: حكيم أحمد