إدلب- نورث برس
يعاني الطفل حسام الشردوب (عشرة أعوام)، وهو طفل لعائلة نازحة في مخيم بمدينة أطمة شمال إدلب، شمال غربي سوريا، من اضطرابات نفسية منذ أن أصيب تحت القصف قبل أكثر من عام ونصف، إذ نجا بأعجوبة من الموت، لكن لحظة موت أخيه الأكبر أمام عينه تكاد لا تفارق مخيلته.
ونهاية عام 2019، سقطت قذيفة على منزل “الشردوب” في مدينة معرة النعمان، تسببت بإصابة الطفل ومقتل أخيه الأكبر منه ودمار منزل العائلة.
معظم أحلام الطفل تحولت إلى كوابيس، بات يستيقظ من النوم مرات عديدة في اليوم وهو في حالة رعب شديد، يصرخ منادياً أخاه الذي مات أمام عينيه، بحسب ما يروي ذووه.
وازدادت الاضطرابات النفسية بين أطفال إدلب كحال معظم أطفال سوريا خلال سنوات الحرب في سوريا، نتيجة معايشتهم القصف والنزوح، وأخرى بسبب حالات العنف الأسري وعمالة الأطفال.
وتضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي بعد أكثر من عشرة أعوام من الحرب.
وقال تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في آذار/ مارس الماضي، أن الحرب في سوريا أثرت بشكل كبير على الصحة النفسية للأطفال، وأدت لتضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي عام 2020، بسبب التعرض المستمر للعنف الشديد والصدمات.
ووصف التقرير، الذ ي قال إن الوضع في شمال غربي سوريا مقلق بشكل خاص، الحرب السورية بأنها “جعلت حياة جيل من الأطفال معلقاً بخيط رفيع. وأنتجت جيلاً من الأطفال “أكثر من 35% منهم لم يعرفوا سوى الحرب منذ ولادتهم”.
وتصف والدة “الشردوب”، حالة ولدها بأنه “حزين دائماً، ويعيش في عزلة تامة”.
وتشير المرأة إلى أنها عرضت ولدها على مركز للرعاية الصحية الأولية الموجود في أطمة، وأعطوه بعض الأدوية العصبية دون أن تلاحظ أي تحسن في حالته.
ضحية الضغوطات
واختزنت ذاكرة الطفلة لينا العلي (ثمانية أعوام)، وهي طفلة نازحة من سراقب إلى إدلب المدينة، صور الحرب، “فهي تبدأ بالبكاء والصراخ لحظة سماعها أي صوت مرتفع”، بحسب والدتها.
تقول الأم، لنورث برس، إن طفلتها تصاب بحالة ذعر شديد كلما سمعت هدير طائرة تحلق في أجواء المنطقة.
وتشدد على أن ابنتها تتحول فجأة إلى “فتاة غير طبيعية” وتبدو أكثر عصبية، الأمر الذي دفعها لطلب دواء مهدئ من أحد الصيادلة، “تحسنت حالتها قليلاً لبعض الوقت، ثم عادت من جديد إلى حالتها السابقة”.
ولم تقتصر آثار الحرب على الاضطرابات النفسية على الأطفال بل أثرت في سلوكهم حيث يميل بعضهم للعدائية والتي تظهر من تصرفاتهم وألعابهم التي تكون في معظمها أسلحة حربية.
تضيف الأم أن ولدها الأكبر البالغ من العمر( 12 عاماً)، أيضاً، “تأثر بالحرب من خلال ميله الواضح للعنف والعنف الملاحظ في لعبه مع أقرانه”.
وتعتقد أن الحرب وتمثيل مشاهدها غدت من ركائز اللعب لدى الطفل، إضافة لرغبته باقتناء مسدس أو أي سلاح آخر، حيث يقوم في معظم الأحيان بالاعتداء وضرب أقرانه وإخوته الأصغر سناً منه”.
وما يزيد من الاضطرابات النفسية، وجود هؤلاء الأشخاص في بيئة ينتشر فيها الفقر وتنعدم فرص العمل ومصادر الدخل وينقطع الأطفال عن الدراسة ويتفشى العنف الأسري وتكثر حالات الطلاق وزواج القاصرات.
كل ذلك يتسبب بحالات اكتئاب وأمراض نفسية لدى الأطفال، وفقاً لمنظمة أنقذوا الطفل البريطانية.
وقال محمد الغجر (39 عاماً)، وهو اسم مستعار لطبيب نفسي في سرمدا، إن معظم الأطفال الذين عانوا من فقدان قريب أو تعرضت منازلهم للقصف أو أصيبوا، يصبحون ضحية للضغوطات النفسية.
“وتظهر عليهم سلسلة من الأعراض النفسية المرتبطة بالخوف من القصف، كالاكتئاب والقلق والاضطرابات السلوكية والتبول اللاإرادي وعصبية المزاج والانعزال عن الآخرين وغيرها”.
ويحذر الطبيب من أن بعض السكان يقسون على أطفالهم، بسبب قلة الوعي، أو يقومون بعرض من يعانون من أمراض نفسية كالقلق والاكتئاب وفصام الشخصية على المشعوذين، وهو ما يفاقم المشكلة.
ويضيف أن علاج هذه الأمراض يكمن في توعية بيئة الطفل بالصدمات النفسية وكيفية التعامل معها، ومراجعة الأطباء الاختصاصيين لإعادة التأهيل النفسي لهم، مع ضرورة توفير بيئة طبيعية للأطفال، والتركيز على التعلم وممارسة الأنشطة، ليندمجوا في المجتمع من جديد.