ليس كل الثورات قد حصلت بتخطيط وتنظيم

محمد سيد رصاص

من يقرأ كتاب لينين: “موضوعات نيسان” يفاجئ بأنه كان سيناريو لثورة أكتوبر 1917بعد ستة أشهر، من حيث أنه دعا لثورة اشتراكية من حيث القيادة والمهام تنجز أولاً الثورة الديمقراطية التي توقع لينين بأن الحكومة المؤقتة التي خلفت القيصر بعد ثورة شباط 1917 لن تنجزها، ومن حيث أنه كان يرى بأن هناك ازدواجية سلطة بين الحكومة المؤقتة ومجالس السوفياتات للعمال والجنود، وقد رأى لينين بأن الثورة القادمة إن اعتمدت على السوفياتات، وطرحت قضيتي الأرض للفلاحين والسلم للجيش المنهك بفعل الحرب العالمية، فإنها ستنجح في إسقاط الحكومة المؤقتة.

إن استعرضنا الثورات الكبرى في العصر الحديث، من الثورتين الإنكليزيتين في 1642-1649 و1688-1689 إلى الثورة الفرنسية عام 1789 وثورتي تموز\يوليو 1830 وشباط\ فبراير 1848 الفرنسيتين ومن ثم الثورتين الروسية عام 1905 وفي شباط 1917 وصولاً إلى الثورة الصينية عام 1949 والإيرانية بعامي 1978-1979، فإننا لا نجد ثورة مخططة وفق خطة جاهزة سوى تلك الثورة التي قادها لينين وتلك التي قادها ماوتسي تونغ في الصين وثورة الخميني على شاه إيران، حيث من خلال كتابات ماو: “تحليل لطبقات المجتمع الصيني” عام 1926 ونصه الآخر: “في التناقض” عام 1937 نلمس تخطيطه لثورة بقيادة الحزب الشيوعي تعتمد على الفلاحين كقاعدة اجتماعية وذات نفس قومي- وطني ضد المحتل الأجنبي وضد الأجانب المهيمنين على مقدرات الصين وتابعهم المحلي، أي حزب الكيومنتانغ، فيما يمكن أن نلمس من كتاب “الحكومة الإسلامية” الصادر عام 1971 أهداف الخميني.

هناك ثورات أتت رد فعل ضدي على سلطة قائمة، مثل ثورة البرلمان الإنكليزي على الملك تشارلز الأول الذي حاول ممارسة الحكم المطلق، أو الثورة الثانية عند الانكليز بعامي 1688- 1689 التي أتت رد فعل على محاولة فرض الكاثوليكية من جديد على انكلترا من قبل الملك جيمس الثاني بعد أن انفصلت كنيسة انكلترا عن روما منذ عام 1534، فيما ثورة تموز \يوليو 1830 الفرنسية أتت رد فعل مباشر على مرسوم الأمير بولينياك، وزير الملك شارل العاشر، بإلغاء حرية الصحافة، وتخفيض نسبة من يحق لهم حق الاقتراع بنسبة 75% وحل مجلس النواب (مجلس الخمسمئة). هناك ثورات مثلت لحظة الفوران بعد غليان طويل من الأوضاع القائمة، مثل الثورتين الفرنسيتين بعامي 1789 و1848، حيث كانت الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية المأزومة (البطالة لثلث سكان باريس- الدين العام يصل إلى 55%من الدخل الوطني – ارتفاع الأسعار بين عامي  1770و1790 بنسبة 65% للغذاء فيما الأجور لم ترتفع سوى بنسبة 22%) قد مثلت لحظة غليان فيما أتى الفوران من موسم زراعي سيء في ربيع 1789 ليفجر ثورة 14تموز\يوليو 1789، فيما ثورة 1848 كان غليانها من المطالبة بحق الاقتراع الذي كان مقتصراً على الملاكين للأراضي فيما حصل الفوران مع المآدب والندوات السياسية التي ضمت طبقات اجتماعية مختلفة بما فيها البورجوازية للمطالبة بالحريات العامة في عام 1847، وكانت عدم استجابة الملك لوي فيليب بمثابة الشرارة للثورة. هنا، يمكن أن تكون ثورة 1905 الروسية في هذا الإطار، حيث كان الفلاحون، الذين حررهم مرسوم تحرير القنانة عام 1861 يريدون حرية التصرف بالأرض في البيع أو التأجير، في حالة غليان، هم والأقليات القومية الممنوعة من حق الاقتراع ومن المدارس الخاصة، زائد منع الطبقة العاملة الناشئة من حق الإضراب وحق الانتظام في النقابات. كانت لحظة الغليان قد زادت مع هزيمة روسيا أمام اليابان بحرب 1904 – 1905، ليأتي الفوران بعد قتل متظاهرين سلميين توجهوا لقصر القيصر لتقديم مطالب، مما أدى لاندلاع ثورة كانت الرحم رغم فشلها لثورتي شباط وأكتوبر 1917.

هنا، يمكن لثورات عفوية، غير مخططة أومنظمة، أن تتولى قيادتها قوة سياسية أو مجموعة قوى بعد فترة من اندلاعها، عبر وضعها لبرنامج  يلاقي قبولاً من غالبية الجسم الاجتماعي الثائر، وهو ما رأيناه في ثورة 1789 عندما تولى الجيروند واليعاقبة زمام القيادة ضد الملكيين قبل أن يتناقضا بعام 1793، كما أن لينين من خلال “موضوعات نيسان” قد وضع مخططاً لثورة ثانية بعد أن ظن الكثيرون بأن الأوضاع قد استقرت بعد الإطاحة بالقيصر وتولي الحكومة المؤقتة للسلطة، وهو ما تملك حتى البلاشفة في الداخل الروسي قبل مجيء لينين من المنفى السويسري في نيسان 1917. في الثورتين التونسية والمصرية بعام 2011 استطاع الإسلاميون أن يركبوا وأن يوجهوا المد الثوري لصالحهم. في الثورة الإيرانية التي بدأت عفوية أوائل عام 1978 من خلال مظاهرات طلابية استطاع الإسلاميون استلام زمام قيادتها منذ خريف 1978 رغم وجود شيوعيي حزب تودة وتنظيم مجاهدي خلق والليبراليين والقوى الكردية والعربية الذين كانوا نشطون في الثورة ضد الشاه.

هناك براعات سياسية تظهرها الثورات، وهناك الكثير من الفاشلين في السياسة الذين تظهرهم الثورات.