محاضرة في ثقافي أبو رمانة عن العمارة المسيحية الدمشقية تثير جدلاً

القامشلي ـ نورث برس

قال إلياس حنا وهو مهندس معماري في دمشق، الاثنين، إن العمارة المسيحية بشكل عام قد “تغيرت عبر التاريخ. فمثلاً تغير شكل ومساحة الكنيسة بين المساحة والمعبد والمذبح”.

وأضاف “حنا” في حديث لنورث برس: “قديما لم يكن يسمح للناس بالدخول إلى الكنيسة. ثم تطور الأمر وأعطيت مساحات جديدة، لتلبي حاجات العبادة والاجتماع والمناسبات”.

وجاء تعليق “حنا” عقب الجدل الواسع حول المحاضرة التي ألقاها الباحث الأستاذ إلياس بولاد، وهي بعنوان “العمارة الدمشقية: جواهر صاغتها أيدي المعماريين الدمشقيين المسيحيين، قبل وبعد1860”.

إلياس بولاد ـ باحث في فن العمارة

أُلقيت المحاضرة في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بدمشق في السابع عشر من آب/ أغسطس الجاري، وبالتعاون مع دار “المدى” الثقافية. وقد أثارت بعض الردود المتباينة، بين مؤيد لبعض الآراء الواردة في المحاضرة ومُعارِضِ لها.

وحول المحاضرة والاهتمام بالعمارة الدمشقية في حقبة زمنية معينة، أشار الباحث “بولاد” إلى التأكيد على هوية العمارة السورية وتقدمها وتطورها لتكون حافزاً في معركة إعادة الإعمار القادمة التي تواجه السوريين. والعمارة الدمشقية المسيحية جزء أساسي من تاريخ العمارة السورية.

جانب من الحضور

وقال المهندس المعماري “حنا” إن “هذه التغيرات التي حدثت قد تأثرت بفن العمارة السابق لها، كما أنها أثَّرت على فن العمارة اللاحق، أي على شكل العمارة الإسلامية على سبيل المثال”.

ورأى “حنا” أن هذه التغيرات والتأثيرات تخدم الفن السوري عموماً وخاصة مشروع إعادة إعمار سوريا.

وحول الجدل الذي أثير حول المحاضرة ومحاولة مقاطعتها قال “بولاد”: إن رفع الغطاء عن المحرمات يثير المزيد من الحساسية التاريخية والعقائدية، ويضع مفهوم الأمة في قفص الاتهام، وإلا لماذا أثار هذا العنوان غضب البعض واستنكارهم؟ ومحاولتهم إلغاء المحاضرة ومنعها”.

وأشار الباحث إلى أن مقاطعة المحاضرة والتغيب عنها من قبل بعض الشخصيات الاعتبارية التي دعيت إلى المحاضرة وامتنعت عن الحضور دون اعتذار أو إخطار أحدثت إرباكاً في قاعة المركز، وطفا جو من التوتر قبيل بدء المحاضرة.

و”بولاد” من مواليد ١٩٥٣، ويحمل إجازة في الأدب الفرنسي، ودبلوم ترجمة، وعمل دليلاً سياحياً برفقة المجموعات السياحية التي كانت تزور سوريا لمدة ثلاثين سنة، ما جعله يهتم بالأبنية الأثرية وتفاصيلها.

وعن فن ومهنة العمارة في تلك المرحلة شدد الباحث على أنه “ليس خافياً على أحد أن المهن عندنا كانت تتبع لمناطق وعائلات وأديان. فلقد اشتهر المسيحيون بالعمارة والبناء، لا بل احتكروا هذه المهنة. واختص اليهود بصناعة الزجاج، والمسلمون بالخزف. وهكذا كان الواقع وكانت التقسيمات، كما كانت دمشق مقسمة إلى حي إسلامي. وحي يهودي وحي مسيحي”.

واستشهد الباحث في قوله إلى كتب التاريخ التي تذكر الكثير من الأسماء المسيحية التي اشتهرت بالعمارة والبناء، أمثال: ميخائيل مسدية ونقولا وردة انطون منصور وابراهيم منصور ويوسف العنيد كبير المعماريين”.

 وكانت لهم جمعية مؤلفة من 12 عضواً. وكان من أخص واجباتها حفظ رابطة الكار، وقد تأثروا كثيراً بالرومان.

وشدد الباحث “بولاد” على أن العمارة الدمشقية إحدى الفنون التي اشتهرت بها دمشق داخل السور عبر التاريخ.

ويمكن أخذ فكرة عن شكل هذه العمارة بدءاً من عصر الأنباط،  “بصرى  الشام وبتراء” وتحولها في العصر الروماني إلى شكل متطور عن طريق عبقري دمشقي  يدعى أبولودور الذي أرسى مدرسة لها أسرارها المعمارية وطقوسها حتى القرن العشرين حيث أخذت معالم وخصائص تناقلها المعماريون  الدمشقيون ضمن نقابة مغلقة حتى ١٨٦٦٠.

ويقول الباحث: “مما لاشك فيه أننا وفي نفس السياق التاريخي والحضاري نستطيع أن نتكلم في حقبة لاحقة عن العمارة الإسلامية وتطورها, وتأثرها بفن العمارة الذي سبقها. مع تطوير واستثمار خصوصية المعابد الإسلامية التي تتجلى في الجوامع وطرزها المتنوعة ومساحاتها الضخمة وقبابها..  وليس لأحد أن يعترض على وسم تلك العمارة بالعمارة الإسلامية”.

وأضاف: “من البديهي أن نتكلم عن عمارة مسيحية ويهودية وبوذي وقبطية. وفرعونية.. حيث لا مناص من الاعتراف بتعدد منابع الحضارات وتلاقحها وتأثرها بعضها ببعض، فهذا مسار طبيعي للتاريخ والثقافة”.

وقالت ريم الشعار، مدير دار مدى الثقافية، والتي تعتبر هذه المحاضرة جزء من نشاطها: لقد شددت المحاضرة على غنى وتنوع وأصالة فن العمارة الدمشقي. وأضاءت لنا توزع المهن في دمشق القديمة. والتعاون الدائم بين التنوع والتعدد. الذي هو صفة تاريخية للمجتمع الدمشقي.

ريم الشعار ـ مديرة دار مدى الثقافية

وأبدى الحضور تفاعلاً إيجابياً مع المحاضرة التي تلاها بعض النقاشات والاستفسارات أشارت لبعض نقاط الالتباس، تضمنت في بعضها أصول فن العمارة، وبعضها في التواريخ، ومفاصل المراحل المعمارية والسكانية لمدينة دمشق.

إعداد: جوان الإربيلي. تحرير: نور حسن