إضفاء الصبغة العثمانية على مقام النبي هوري في عفرين وتغيير ملامحه التاريخية
عفرين- نورث برس
قال صلاح سينو، وهو الرئيس المشارك لمديرية الآثار في عفرين التي تعمل حالياً في ريف حلب الشمالي، إن عمليات الترميم التي قامت بها تركيا في موقع النبي هوري الأثري جاءت للتستر على أعمال حفريات وتنقيب غير مشروعة قامت بها جهات تركية.
ومنتصف العام الماضي، أعلنت مديرية أوقاف ولاية “هاتاي” التركية عملية “ترميم” للموقع، سبقتها أعمال أخرى في أجزاء منه.
ويضم الموقع الذي يقع في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية من منطقة عفرين، 45 كم من مركز المدينة، مدفناً هرمياً رومانياً يعود تاريخه إلى منتصف القرن الثالث الميلادي، إلى جانب خان وجامع يعود تاريخ بنائهما إلى العام 1276 هجرية/ 1859 ميلادية (خلال الفترة العثمانية) كما هو مدون على بوابة الجامع، ويحيط بالموقع سور ويضم بئر ماء.
وعلى بعد 650 متراً من المدفن الروماني، تقع مدينة “سيروس” أو “كروش” الأثرية التي تحوي آثاراً ظاهرة لأربع حضارات تعود إلى اليونانيين والرومان والبيزنطيين المسيحيين والفترة الإسلامية.
وبعد سيطرتها على المنطقة في آذار/مارس عام 2018، بدأت تركيا وبحسب خبير الآثار، بتبليط الباحة المحصورة بين الجامع والخان، لتقوم أواخر العام 2019 بهدم شرفة الجامع وإزالة البلاط وإجراء عمليات حفر واسعة في الباحة تضمنت اقتلاع أشجار هناك.
ومنتصف العام 2020، نفذت تركيا عملية ترميم أخرى أكبر في الجامع والسور والخان، حيث تم تبليط الباحة مرة أخرى وإضافة عناصر جديدة للجامع كشرفة خشبية ووضع الأبواب وأرضية الجامع وإزالة المنبر القديم واستبداله بآخر يحمل صبغة عثمانية.

كما قامت بإضافة صالات استقبال إلى خارج السور وترميم المدفن الروماني، حيث أظهر الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وعليه السقالات الخاصة بالبناء والترميم.
“إخفاء عمليات التنقيب”
وتهدف كل تلك الأعمال “لإخفاء” أعمال التنقيب التي جرت في الموقع، وخاصة أنه يسهل على المارة رؤيتها لأن الموقع يقع على طريق عام، بحسب “سينو”.
بالإضافة إلى تسمية كل الغرف الموجودة في باحة المدفن باللغة التركية وإرفاقها بترجمة عربية، ورفع العلم التركي وعلم “الثورة السورية” على المعلم الأثري.
وتظهر مشاهد خاصة حصلت عليها نورث برس، لافتة في باحة المدفن مكتوبة عليها وباللغة التركية
“T.C.Vakıflar Genel Müdürlüğü” وتعني المديرية العامة للمؤسسات وهي مؤسسة حكومية تركية لإدارة الأوقاف يعود تاريخ تأسيسها إلى الإمبراطورية العثمانية ولا تزال موجودة حتى اليوم.
وابتداءً من الخمسينيات والستينات من القرن الماضي، كانت المديرية تصادر وتتصرف في كثير من الأحيان بالأصول العقارية المملوكة لأقليات دينية على أساس قرارات محكمة مشكوك فيها ومن الأمثلة البارزة على ذلك مصادرة مخيم توزلا للأطفال الأرمن عام 1984.
ويرى “سينو” أن تركيا أفرطت في “ترميم” الموقع ليظهر وكأنه من مواقع الفترة العثمانية، رغم أن هناك مدفن روماني وهو غني بالزخارف والنقوش الرومانية، في حين كان بناء كل من الجامع والخان بسيطاً وحديثاً مقارنة مع المدفن.
وخلال السنوات الماضية، شهدت مدينة “سيروس”عمليات حفر وتنقيب وتجريف على مساحة أكثر من 60 هكتاراً، بحسب الرئيس المشارك لمديرية الآثار في عفرين.

تجريف مدينة سيروس من قبل تركيا وفصائل تابعة لها
وتساءل الخبير الأثري عن “كيفية تدمير آثار هذه الحضارات، بهدف تغيير وإبراز جزء منها “الجامع العثماني”، حيث قامت شركات تركية، تدعى إحداها نوبال إنشاءات، بتضخيمه وعرضه كبناء محوري للموقع”.
ويؤكد “سينو” أن منطقة عفرين لا تضم سوى هذا الجامع في النبي هوري من الفترة العثمانية، إذ تعمل تركيا على “هدم الحضارات القديمة وتقوية هذا البناء”.
وتضم عفرين 56 موقعاً أثرياً مسجلاً لدى دوائر الحكومة السورية، بالإضافة الى أكثر من 40 موقعاً أثرياً وثقتها مديرية الآثار في الإدارة الذاتية لمقاطعة عفرين ما بين العامين 2014 و2018.
ترسيخ الوجود التركي
ويرى “سينو” أن عمليات الترميم التي قامت بها تركيا مخالفة للمبادئ العلمية الخاصة بترميم المباني الأثرية، إذ “تحاول إظهار أنها مهتمة بالتراث الثقافي والآثار، بالإضافة لترسيخ الوجود التركي في المنطقة”.
وتتحدث المشاهد بوضوح عن تغيير الصبغة التاريخية للموقع بإضفاء سمات عثمانية عليه.
وكان سكان عفرين وقبل سيطرة القوات التركية على المنطقة، يزورون النبي هوري ويقومون بتعليق حجر صغير على جدار حوّاري بالقرب من الجامع عن طريق الاحتكاك، حيث كانوا يعتقدون أنه إذا علق الحجر بالجدار فذلك يعني بأن أمنية صاحبة سوف تتحقق.
وفي باحة المدفن، كانت أغصان شجرة رمان تمتلئ بأشرطة قماشية ملونة، حيث إذ قام زوار بعقد تلك الأشرطة لطلب تحقيق أمنياتهم أيضاً.
وكانت تركيا قد قامت بتغيير أسماء قرى ومعالم في عفرين وريفها من أسماء كردية إلى تركية، إلى جانب إطلاق تسمياتها على ساحات المدينة لتحمل إحداها اسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويرى سكان من مناطق سورية تقع تحت سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها، شمالي البلاد، ان تركيا تعزز سياستها في التتريك لتصبغ القطاعات المدنية والثقافية بطابع تركي.
ويتخوف هؤلاء من أن يكون التتريك مشروعاً لضم تلك المناطق إلى تركيا، وهو ما يناقض التصريحات التركية الرسمية التي لا تنفك تتحدث عن وحدة وسلامة الأراضي السورية.
وفي تموز/ يوليو عام 2019، ناشدت المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة للحكومة السورية المنظمات الدولية التدخل لحماية التراث الثقافي السوري ووضع حد “للعدوان الجائر من قبل تركيا على المواقع الأثرية بريف حلب”.
وقال بيان المديرية الحكومية، آنذاك، إن الصور التي وصلت من عفرين تظهر العثور على تماثيل ومنحوتات نادرة تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد وإلى العصر الروماني.
وأضاف أن هذه الاعتداءات تجري في معظم مواقع عفرين الأثرية المسجلة على قائمة التراث الوطني، ومن بينها تل برج عبدالو وتل عين دارة وتل جنديرس وموقع النبي هوري.
وقامت مديرية الآثار في عفرين بتوثيق مراحل عمليات الترميم التي نفذت في الموقع ومشاركتها مع المؤسسات الأممية والاعلام الدولي والإقليمي والمحلي، وفقاً للمديرية.