رحلات الفرنسيين إلى العراق.. من الرحَّالة تافرنييه إلى ماكرون

القامشلي ـ نورث برس

بدأ الاهتمام الفرنسي بالعراق منذ رحلات بـاتـسـت تـافـرنـيـيـه بعد الربع الأول من القرن السابع عشر وتزايد الاهتمام منذ الربع الأخير من القرن السابع عشر واستمر حتى هذا اليوم من زيارة الرئيس ماكرون الذي التقى خلال زيارته إلى العراق مع شخصيات دينية في كنسية سيدة الساعة، ومسجد النوري وسط المدينة، الذي فجره تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في فترة سيطرته على الموصل 2014.

كان الـعـراق في الـقـرن الـسّـابـع عـشـر كـمـا رآه تـافـرنـيـيـه بلد هام في الـمـاضي، ولـكـن لـيـس فـيـه الآن إلا الخـراـب والصراع. فما الذي تغير في العراق خلال هذه القرون الطويلة؟.

ولـد جـان بـاتـسـت تـافـرنـيـيـه في مـديـنـة بـاريـس، سـنـة 1605. وكـان أبـوه تـاجـراً بـروتـسـتـانـتـيـاً يـبـيـع الـخـرائـط الـجـغـرافـيـة هـاجـر إلى أنـفـيـر في بـلـجـيـكـا هـربـاً مـن اضـطهـاد الـكـاثـولـيـكـيـيـن.

وبين 1631 و1668 قـام بـعدة رحـلات إلى الشرق طلباً للتجارة. وقـد مـرّ بالعراق في ثـلاث مـنها: مـرّ بـبـغـداد مـروراً سريعاً في رحلته الأولى. ومـرّ بالموصل في رحلته الثالثة. ونـزل دجلة عـلى (كـلـك – مركب) مـن الموصل إلى بغـداد، ثم أكمل طريقه إلى البصرة في رحلته الرابعة.

صورة الرَّحالة بـاتـسـت تـافـرنـيـيـه

في رحلته الثالثة وصـل تـافـرنـيـيـه إلى حلب في شـبـاط/ فبراير عـام 1644، وغـادرهـا بـصـحـبـة الأب دو مـان وأب كـبـوشي آخـر. وكـان في الـقـافـلـة إيطالي مـن البندقية. وعـبـروا الـفـرات مـتـجـهـيـن نـحـو ديـار بـكـر والـرّهـا ونـصـيـبـيـن.

حول هذه الرحلة يقول الرحالة في مذكراته: “وصـلـنـا بـعـد خـمـسـة أيّـام إلى الـمـوصـل، وهي قـريـبـة مـن مـديـنـة نـيـنـوى القديمة، وهي حسنة المظهر من الخارج، تـحـيـطـهـا أسـوار عـالـيـة شـيّـدت بـحـجـارة جـيّـدة الـقـطـع. ولـكنها مـن الداخل تبـدو خراباً تقريباً، ولـيـس فيها إلا أسـواق صغيرة، وقصر صغير يطل عـلى دجلة يسكنه الباشا، وباختصار فـلـيـس في الموصل مـا يـسـتـحـق الـرؤيـة. ولـيـس لـلـمـكـان مـن أهـمـيـة إلا أن كـثـيـراً من التجار يمرون به: عـرب وكـرد وهـم سكان بـلاد آشـور الـقـديـمـة الّـتي نـسـمـيـهـا الآن كـردسـتـان”.

ويذكـر بـعـض الـمـلاحـظـات الـعـامـة عـن دجـلـة الـفـرات: “بـدا لي مـاء الـفـرات محمرَّاً، ومجراه أقل سـرعـة مـن مـجـرى مياه دجلة الـتي بـدت أبيض اللون وتـشـبـه مـيـاه نـهـر الـلـوار في فـرنـسـا. وهـنـاك قـرب الموصل دير كبير مهدم وأمامه ساحة تحيطها جدران عالية مـا زال بعضها قائماً. وبقينا في الموصل من 8 إلى 10 أيام ثم أكملنا الطريق”.

وعن رحلته الرابعة في الثامن عشر من حـزيـران/ يونيو 1651 يتحدث عن مغـادرته مــيـنـاء مرسيليا ثـم حلب، ومنها انطلق مـع قـافـلـة نـحـو الموصل التي وصلها في الثاني من شباط/ فبراير 1652. ثم انحدر عـلى دجـلـة في نحـو بـغـداد التي وصلهـا في الخامس والعشرين من الشهر ذاته. وترك بغداد عن طريق دجلة إلى البصرة التي وصلها في الخامس والعشرين من آذار/ مارس.

بغداد في القرن السابع عشر كما وصفها الرَّحالة تـافـرنـيـيـه


ويتحدث تـافـرنـيـيـه عـن هـذه الرحلة بقوله: وصلنا إلى الـموصل في الثاني من شـبـاط، وكـان عـلـينا أن ننتـظر إعداد الأكلاك. وكنا نحتاج إلى أربعة منهـا فقد كان في القافلة كثير من المسافرين. ولم يكن لأهل البلد أكلاك جاهزة فهم لا يبدأون صنعها إلا إذا جاءهم رجال معهم بضائع يريدون تحميلها.

ويضيف: وصلنا إلى بغداد، والتي اعتدنا أن نسميها أيـضاً بابل. في الحقيقة كثيرة الـبـعـد عـن بابل القديمة. وقـد صارت مـنـذ فـتـرة طويلة مـيـدانـاً للصراع بـيـن الـفـرس والأتـراك.

أمّـا عـن حـكـومـة بـغـداد فيقول: إن الـمـدنـيـة، فلـيـس فـيهـا إلا قـاضٍ أو رئـيـس يـقـوم بـكـلّ الـمهـمّـات، وحـتى وظـيـفـة الـمـفـتي. ومـعـه شــيـخ الإسـلام أو دفـتـردار الذي يـجـبي الضّـرائـب والـمـكـوس لـلـسـلـطـان.

وعن ملاحظاته لنـسـاء بـغـداد، كتب تـافـرنـيـيـه: بـاهـرات الـمـلـبـس، عـلى طـريـقـتـهـنّ وعـلى طـراز بـلدهـنّ. ولـكـن لـو كنّ في بـلـدنـا لـظهـرن لـنـا مـضـحـكـات، فهـنّ لا يـكـتـفـيـن بـالـذّهـب والـمـجـوهـرات في الأسـورة والأقـراط بـل يـحـطـن بـهـا وجـوهـهـنّ ويـثـقـبـن خـنّـافـة أنـوفـهـنّ لـيـضعـن فـيهـا حـلـقـاً. والـرّجـال مـثـل الـنّـسـاء يـضـعـون مـنـه في أعـيـنـهـم في الـبـوادي، لـيـحـمـيـهـا مـن لـهـب الـشّـمـس، كـمـا يـقـولـون.

ويتـكـلـم عـن الـمـسـيـحـيـيـن الذيـن يـسـكـنـون مـديـنـة بـغـداد: وهـم عـلى ثـلاثـة أصنـاف: الـنّـسـاطـرة، ولهـم كـنـيـسـتهـم، والأرمـن والـيـعـاقـبـة الـذيـن لـيـس لـهـم كـنـيـسـة، والـذيـن يـأتـون عـنـد الآبـاء الـكـبـوشـيـيـن لـتـنـاول الـقـربـان الـمـقـدّس. وغـالـبـاً مـا يـذهـب الـمـسـيـحـيـون لـلـتّـعـبـد في مـصـلّى كُـرّس لـقـديـس يـسـمـونـه خـضـر إلـيـاس. ولـكي يـدخـلـوه فـهـم يـدفـعـون مـبـلـغـاً ضـئـيـلاً لـلأتـراك الّـذيـن يـحـتـفـظـون بـمـفـاتـيـحـه. وفيها أيـضـاً يـهـود. ويـأتـي كـل عـام كـثـيـر مـنهـم لـلـتّعـبّـد وزيـارة قـبـر الـنبي حـزقيل. وهـو عـلى بـعـد مـسـيـرة نـهـار ونـصـف مـن الـمـديـنة, ومـنـذ أن اسـتـولى الـسّـلـطـان مـراد عـلى الـمـديـنـة لـم يـتـجـاوز عـدد سـكـانـهـا خـمـسة عـشـر ألـفـاً وهـو قـلـيـل لـمـديـنـة بـسـعـتـهـا.

كنيسة سيدة الساعة في الموصل ـ نورث برس

وهكذا بدأ الاهتمام الفرنسي بالعراق منذ رحلات بـاتـسـت تـافـرنـيـيـه في القرن السابع عشر، وقد لعبت فرنسا دوراً هاماً في جميع مناحي الحياة العراقية، بحسب مراقبين.

ومنذ تافرنييه وحتى زيارة الرئيس ماكرون حدثت تحولات هامة في العراق كان أهمها سقوط بغداد الذي سقط معها جزء كبير من ثقافته وتراثه.

إعداد وتحرير: نور حسن