ترويج وزارة التربية السورية لتبرعات “رجل أعمال”.. بين مبادرة طيبة و”غسيل أموال”
دمشق ـ نورث برس
عاد اسم رجل الأعمال المعروف “أبو علي خضر” إلى دائرة الضوء مجدداً، وهذه المرة عن طريق جهة رسمية وهي وزارة التربية في الحكومة السورية، التي روجت له بطريقة لا تفعلها عادة المؤسسات والجهات الحكومية، حتى أنها استخدمت اسمه المتعارف عليه بـ”أبو علي خضر”، وليس اسمه الحقيقي طاهر خضر.
إطلاق هذا الاسم قرأه الكثيرون على أنه سلوك يوحي برفع الكلفة بين مؤسسة حكومية ورجل ينتمي للقطاع الخاص، خاصة أنه “شخصية جدلية، وهو من أثرياء الحرب الذين لم يكونوا معروفين، لكنه ممن بنوا ثروة خلال الحرب في البلاد”.
أصداء متباينة
جدل كبير أثارته وزارة التربية حين نشرت صفحة مديريتها في طرطوس خبراً عن تبرع “أبو علي خضر” لكل تلاميذ الصف الأول الابتدائي بحقيبة مدرسية تحتوي بعض حاجات الدراسة، ويبلغ عددها حسب المديرية 20 ألف حقيبة.
وقد صرح موجه تربوي متقاعد في دمشق فضل عدم ذكر اسمه لنورث برس، أنه “لا يجوز للوزارة أن تروج لرجل أعمال بهذه الطريقة، وخاصة عندما يكون الأمر أشبه بغسيل الأموال”.
وتركزت الكثير من الانتقادات حول تلك المنحة التي قدمها “خضر”، حيث يحصل على أضعاف أضعافها من احتكاره لمجموعة من الأنشطة التجارية، خاصة تجارة الجوالات.
ويوصف “خضر” بأنه أحد أمراء الحرب، لأنه كان أحد الذين استثمروا في العمليات التي وفرتها الحرب مثل (الترفيق والترسيم)، وهي مصطلحات معروفة لشركات تقدم حماية مأجورة لسيارات شحن البضائع، وبمبالغ تحددها الشركة، كما تفرض رسوماً على الشركات التي تعبر ما بين مناطق سيطرة الحكومة والمناطق الخارجة عن سيطرتها، وأيضاً يفرضون رسوماً في الاتجاهين إضافة لعمليات التهريب غير القانونية.
وتشير المعلومات المتداولة عن امتلاك “خضر” لعدد من الشركات في مختلف الفروع الاقتصادية مثل شركة (إلا للسياحة)، وشركة القلعة للحراسات الأمنية، وهي شركة أمنية للحماية أسسها في 2017 بعد أن صدر مرسوم يسمح بذلك في 2015 وكانت شركته تقوم بعمليات الترفيق والترسيم.
ولديه حصص كبيرة وبنسب تفوق 51% في معظمها، وذلك في عدد من الشركات الأخرى.
أما المشروع الأبرز فهو شركة (إيماتيل للاتصالات) المتخصصة ببيع الهواتف المحمولة وكل ما يتعلق بها، والمعروف أن سوريا ورغم العقوبات الاقتصادية عليها كانت أول دولة تعرض أحدث نسخ جوالات “الآيفيون الأميركية” وبأسعار خيالية، يضاف إليها سعر التصريح أو الجمركة الذي تم تطبيقه مؤخراً، والذي يجعل التاجر يربح أكثر من الشركة المصنعة ذاتها حسب ما نشر عدد من السوريين وبالأرقام.
ويحقق “خضر” من تجارة الهواتف أرقاماً من الصعب معرفة حجمها بدقة، لكن كل القرارات الحكومية تصب في مصلحته، من منع استيراد الهواتف النقالة إلى فرض رسوم حتى على الجولات التي تدخل البلاد كهدايا وبشكل افرادي، وقد وصلت الأرقام إلى مبالغ خيالية تفوق سعر الجهاز، بحسب مراقبين.
“كما طلبوا”
عندما نشرت تربية طرطوس الخبر، هنالك من شكك بالأمر، معتقدين أنه قد تكون الصفحة مخترقة، ولكن مصدراً في التربية شدد لنورث برس على صحة الخبر وأشار إلى أنه “وصل للوزارة وطُلب منها نشره كما هو”.
وورد في الخبر اسم “أبو علي خضر طاهر”، ووصفته مديرية تربية طرطوس بأنه صاحب المبادرات “الخيرية الوطنية الإنسانية”، كما وصفت المبادرة التي قدمها بأنها مبادرة تربوية ووجهت الشكر لمحافظ طرطوس ولصاحب “المبادرة الفعالية الخيرية المتميزة”، حسب تعبير المديرية.

وحاز المنشور على تفاعل استثنائي بالنسبة لصفحة المديرية، حيث بلغ عدد التفاعلات سبعة آلاف تفاعل، وشارك المنشور 800 شخص، وعلق عليه ستة آلاف شخص، بينما لا يتجاوز التفاعل مع أي منشور للمديرية 500 تفاعل.
وبينما كانت الكثير من التعليقات تمتدح رجل الأعمال، “ابن صافيتا” في محافظة طرطوس وتصفه بـ”الكريم والشهم ورجل المواقف وأبو الفقراء”، كان هنالك الكثير من المواقف المنتقدة.
وكتب أحدهم إن “هذا الجيل الذي أخذ الحقائب سيربى على مكرمة من أبو علي خضر، هل نتوقع أن يكون حلمهم أن يصيروا أطباء أو مهندسين، هذ جيل سيحلم أن يصبح أبو علي خضر؟”.
وعلّق آخر على المنشور: “الشخص الذي يمنحك مليار ليرة مساعدة تأكد أنه لم يتعب فيها بل سرقها منك”.
وهنالك من حسب قيمة المبادرة بما يعادل لكل حقيبة 30 ألف ليرة، وهذا يعني أن المبلغ يقدر بنحو نصف مليار ليرة أي 160 ألف دولار على أسعار الصرف الحالية.
واسترجع آخرون مسيرة هذا الرجل وبعض أبرز النقاط في حياته وأهمها أنه سبق لوزير الداخلية محمد الرحمون أن أصدر تعميماً بمنع التعامل مع “أبو علي خضر”، وتراجع عنه بعد أقل من شهر.
وتعميم وزير الداخلية الأول، جاء باسمه الكامل خضر طاهر ابن علي، ونص على عدم التعامل معه بأي شكل، ولكن المفارقة أنه بعد أسبوعين تراجع الوزير الرحمون عن قراره وأصدر قراراً طلب فيه طي القرار السابق.
لم يكن “أبو علي خضر” من الأسماء المعروفة، فقد ظهر اسمه في السنوات الأخيرة، وهو أحد الذين يَرد اسمهم ضمن قائمة العقوبات التي فرضتها واشنطن على مسؤولين في سوريا.

وكان ناشطون قد نشروا صور لقصره الفخم “العراب” في محافظة طرطوس، ووجهوا السؤال إلى رئيس الحكومة حسين عرنوس تعقيباً على تصريح سابق له “حول من أين تأتي الناس بالأموال لتمكين أبناءهم من السفر خارج البلاد؟ بالقول ألا يسأل صاحب هذا القصر: من أين لك هذا؟!”.