الصُبحة وعادات أخرى.. تراث الرقة المنسي بين الماضي والحاضر
الرقة- نورث برس
لم تسلم عادات الزواج من سرعة الحياة والتطور التي تغيرت من فترة إلى أخرى ومن حال إلى حال. فقد أتت الحياة العصرية على عادات كثيرة وجميلة، منها “الصُبحة”، وهي عادة انتشرت في أرجاء الرقة وغيرها من المناطق ثم بدأت بالانحسار.
الصبحة، كما هي معروفة عند سكان الرقة وغيرهم، “وليمة شعبية تُعَدُّ في يوم الزفاف وعلى نفقة أهل العريس. وتقتضي الأصول دعوة والد العريس وإخوته، الأصدقاء والمقربين لتناولها على شرف العريس”، كما يقول محمد العساف (45 عاماً).
والصُبحة تقليد عربي عريق، يدلُّ على كرم أهل العريس وتماسك الروابط الاجتماعية مع أهل الحي وذوي القربى والمعارف، على حد وصف “العساف”.
وتبدأ طقوسها يوم الزفاف، من تأمين كمية لحم الغنم وتجهيز الوليمة بحيث تكفي جميع المدعوين، بل وتزيد. ويُفضل أن تكون في فترة الظهيرة لأنها وليمة غداء.
وتتكون الصُبحة من الثريد ولحم الضأن، ويبالغ البعض في العناية بها من حيث الكمية والإعداد والتوزيع، وفقاً لـ”العساف”، لأن في ذلك دليل على الكرم والسخاء والمحبة.
والثريد أو التشريب يدلاّن على نوع معين من الأكل يعود إلى زمن بعيد، ويعتبر من الأكلات “المعتبرة”، وتكون من لحم الضأن الذي يقطع إلى قطع متوسطة، ثم يتم طبخه بالماء ويضاف الدسم والسمن العربي حتى ينضج، ليسكب في صوان كبيرة مفروشة بأرغفة خبز الصاج، تقدم للضيوف والمدعوين.
وتقول المعاجم العربية أن الصُبحة من الصباح والإصباح، ومنه وجهٌ صبوحٌ. وإذا اجتمع الأهل مع الأزواج اكتملت الأفراح وانزاحت الأتراح، فيجلس الناس مجلس الصُبحة، ومنذ الصباح يقدمون هدايا إلى العروس.
وبالإضافة إلى عادة الصُبحة، ثمة طقوس أخرى ترافق الزواج، مثل الدبكة والأغاني الشعبية المعروفة.
تقول رابعة المصطفى (45 عاماً) من سكان الرقة لنورث برس، إن من طقوس الزواج سابقاً كان يوم الزفاف، ويحدده الأهل. حيث تُزفُّ العروس عند العصر، ويرافقها عدد من الخيل، والجمل الذي يحمل الهودج، ويسير الموكب الذي يُسمَّى أيضاً بـ”طُرَّاد الخيل”، وهو تقليد يبدأ عند وداع العروس، حيث يتزاحم فيه الفرسان الشباب وهم يرقصون على صهوات الخيل، يدورون حول أنفسهم مع أصوات الزغاريد والأغاني.
ويقول عمر دياب، وهو عضو في مكتب العلاقات العامة بمجلس الرقة المدني، إن العادات والتقاليد العشائرية والعائلية في مدينة الرقة وريفها قديمة قِدَم الزمن، والأعراس تشكل واحدة منها. يجتمع الضيوف وتُقَدَّم الوليمة.
وتعتبر مدينة الرقة وريفها مجتمعاً قائماً على العشائرية ولكل عشيرة طقوسها وعاداتها. ومع مرور الزمن استبدل البعض تلك العادات بعادات جديدة، فيما ظل البعض الآخر متمسكاً بها.
وأشار “دياب” إلى أن فروقات حصلت حديثاً بين بعض عادات الريف والمدينة فما زال الريف محافظاً عليها، لكن المدينة صارت تعتمد على الأماكن العامة كصالات الأفراح وهي تعود لإمكانات كل شخص.
وأضاف لنورث برس: “أصبح سكانها يختصرون هذه العادات والطقوس، اختصاراً للوقت والأعباء المادية التي قد لا يستطيع الأهل تحمل تكاليفها”.
وما سبق، هو عيّنة من عادات وتقاليد الزواج في المجتمعات الفراتية، وكيف أن البعض من هذه العادات مستمر، وبعضها تعرض للتغيّر الجزئي، وجزء آخر تعرض للاضمحلال.
وإذا ما اعتبرت هذه العادات والتقاليد من التراث الثقافي لمجتمع سوريٍ معيّن، وبالتالي مكوّن أساسي، فلا يمكن إلا السؤال عن مستقبل هذا التراث في ظل تحولات عمرانية واجتماعية وثقافية عميقة تشهدها هذه التجمعات العريقة.