رواية “عمت صباحاً أيتها الحرب”.. هل أصبحت الحرب قدر الكُتَّاب؟

القامشلي ـ نورث برس

تعتبر رواية “عمت صباحاً أيتها الحرب” للروائية السورية “مها حسن” مغامرة كتابية جريئة وعميقة كما لو أنها خرجت من بين الأنقاض والحطام وتحت أزيز الرصاص. إنها تجربة الحرب المرّة والمريرة التي لاتزال تداعياتها تدور في سوريا. الحرب التي لم تلبث أن تحوّلت إلى قتال قبيح وعنيف وشرس لدرجة كأن العالم كله تغيَّر، وإلى الأبد.

ومهما حرص الكاتب على خصوصية نصه، فإن مؤثرات اللغة والثقافة والأفق الثقافي ويوميات الحب والحرب تحتل مكاناً لها على الورقة البيضاء أو على صفحة الشاشة وتفعل فعلها في حركة أصابع اليد الماهرة التي تبعث الحياة في الكلمات، فإذا تحركت الكلمات تحركت معها القلوب.

هكذا تتداخل في الرواية عوالم ومعالم، وأحاسيس وخيبات، ومواقف، أكثر من حاضر يحتضر، وأكثر من ماض مضى. فمنذ ملحمة “هوميروس” إلى “البحث عن الزمن المفقود” وحتى هذه الرواية، يجد القارئ أن السرد الأدبي عصي على القوانين، أي قوانين.. سواء عرفتَ منها أو لم تعرف عنها.

إن النص الإبداعي بقدر ما يتأثر يؤثر، وبقدر ما يقترب ويلمس فهو يبتعد ويتلاشى أكثر. وبهذا الجدل تستمر يوميات الحرب وذكريات الحب في هذا النص.

ومها حسن، قاصة وروائية سورية مقيمة في باريس. ولدت في حلب عام 1966. حصلت على إجازة في الحقوق من جامعة حلب.

من أعمالها: “اللامتناهي- سيرة الآخر” 1995. تراتيل العدم 2009. بنات البراري 2011. “طبول الحب 2012. مترو حلب 2016.. وغيرها.

ورواية “عمت صباحاً أيتها الحرب” أن تركيز هذه الرواية، ليس فقط على الحرب، وإنما على تجارب النساء، بطريقة سردية فريدة، استطاعت الكاتبة أن تجمع فيها مهارتها كساردة، وتجربتها الحياتية كامرأةٍ كاتبة، في المجتمع العربي وفي سوريا بشكلٍ خاص.. الناس والأرض، واختزال حيوات وتواريخ.. أحداث وثقافات، مدن ووجوه، أسماء وملامح، نساء وحكايات، مع نشأتها الكردية، ومذكرات عائلتها الشخصية، وقراءاتها، تفاعلَ كل هذا مع النفس والمخيلة، ومن ثم وعي الإبداع كطاقة تعبيرية، وموقف.. وكتابة.

نحو أدب اليوميات

تنزع هذه الرواية إلى ما يسمى بأدب اليوميات الذي يُعدُّ اليوم شكلاً فريداً من أشكال السرد الروائي، لأنه يشبه أدب الرحلات والأسفار، والتواصل مع الآخر الذي هو الاختبار الأهم على انفتاح ثقافة على ثقافات أخرى.

والشكل السردي المتمثل بأدب اليوميات من السطور اليومية للمقيمين في المنافي وأماكن الاغتراب لا يقال عنه إلا بوصفه مدونات آنية، ووثائق يومية تجمع بين الأدب والتاريخ معاً، بل هو علامات فنية مدهشة، تكشف عن مشاعر حميمة وخواطر غائرة وانطباعات ترصد اليوميات والمرئيات، وغالباً ما تنعش مخيلة القارئ وتوقظ همة الذاكرة. شكل كمرايا تتعاكس: مدن بعيدة وقريبة. آلام جديدة وآمال لم تستكشف بعد، ولا يمكن استكشافها إلا بالأدب وحده.

والرواية هذه، قامت على هذا الشكل السردي. مغامرة مختلفة في توثيق وتدوين مذكراتٍ تبدو خاصة جداً. عن يوميات الحرب السورية أولاً، وعن علاقة الكاتبة بأمها وأخواتها ثانياً، وبأشخاص غائبين عرفتهم عن قرب ثالثاً، بحسب الناقد.

وجاءت الرواية كتسجيل في المنافي، وسجل لتجربتهم المرّة القاسية من خلال الراوية، سيدة الغياب، التي تقف على الحياد، وتهمس: “سأروي، أنا الشاهدة على تلك الحكايات، حيث ولدت لأروي: مزقتنا الحرب، زرعت الكراهية والفرقة بين الأخوة والأهل والأصدقاء.. وأمي التي ماتت بعد أن رأت أشلاء البيت”.

ينتقل السرد بين الراوية “مها حسن”، وبين أمها “أمينة” المتوفاة، ولكنها قادرة على تخطي الحواجز والحكاية عن كل لحظة من لحظات الحياة قبل وفاتها، ثم “حسام أخوها المهاجر الذي يبحث عن حياةٍ مستحيلة في “السويد”.

ولكن: “لا شيء هنا سويدي. نحن لا نعرف اللغة، نحن لاجئون، يتحدث كل لاجئ لغة بلده التي جاء منها، مع القادمين إلى بلاد أخرى، لا يعرفون لغته، أو مع السويديين العاملين في الكامب. كانت لدي تصورات وأحلام مختلفة عن الحياة هنا”، بحسب ما جاء في الرواية.

تبدو الأم أكثر درايةً ووعياً من ابنتها، وعنها ترث البنت السرد ومهارة الحكايات، كما تشدد في رواياتها دوماً، تخاطبها قائلة: “ما هذا الكتاب الممل؟ أنت لا تجيدين الكتابة، لأنك ما تزالين أسيرة، تقولين: إنك ورثت عني السرد، لكنك لم تأخذي عني الحرية”.

رواية “عمت صباحاً أيتها الحرب” انكفاءة مريرة في وعن فترة الحرب السورية، حيث الدمار بعد العمار، والصمت بعد الصراخ، والفرح الذي عسى أن يمتهنه السوري من جديد، والحلم الجريح الذي نزف في يوم ما.

وفازت الروائية “حسن” بجائزة هيلمان هامت الأميركية عام 2005، كما أنها وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية مرتين،2001 – و2015 – من خلال “حبل سري” 2010، والراويات 2014.

إعداد وتحرير: نور حسن