قراءة في القانون رقم 18 لعام 2021

في المقالتين السابقتين استعرضنا الضمانات والمزايا الكثيرة التي منحها القانون للمستثمرين وهي من التنوع والشمولية بحيث يصعب تصور وجود قانون أفضل منه في أية دولة من دول الاقتصاد الحر. في مقابل الضمانات والمزايا التي منحها القانون للمستثمرين فقد قيدهم بالتزامات معينة. ففي المادة (32) حدد القانون هذه الالتزامات بما يأتي:

‌أ- إعلام الهيئة في حال التنازل للغير عن حصة تساوي أو تتجاوز 10% من رأس مال المشروع، أما في حال كان القانون الناظم للعمل في القطاع الذي يقع ضمنه المشروع ينص على ضوابط خاصة للتنازل عن الملكية فيخضع التنازل في هذه الحالة لأحكام القانون الخاص ذي الصلة، ولقانون سوق دمشق للأوراق المالية في حال كانت الشركة مدرجة ضمن السوق.

‌ب- إعلام الهيئة خطياً بتاريخ مباشرة العمل بالمشروع، والتكاليف الاستثمارية الفعلية.

‌ج- التأمين على المشروع لدى إحدى شركات التأمين العاملة في الجمهورية العربية السورية.

‌د- مسك حسابات للمشروع وفق المعايير المحاسبية الدولية، وتزويد وزارة المالية بنسخة من البيانات المالية الختامية بعد اعتمادها من مدقق حسابات خارجي معتمد.

‌ه- دفع الضرائب والرسوم المتوجبة وجميع التكاليف المالية المترتبة على المشروع وفق القوانين النافذة، بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون.

‌و- تقديم أي معلومات أو بيانات أو وثائق تطلبها الهيئة دون الإخلال بحقوق حماية الملكية الفكرية.

وإذا كان من طبيعة رأس المال وهو يتحرك لكي ينمو عن طريق الاستثمار أن تتولد عن حركته مشاكل عديدة، لذلك حدد القانون في المادة (33) منه الإجراءات الضرورية لفض المنازعات الاستثمارية الناشئة عن تطبيق هذا القانون. بداية يمكن اتباع “الطرق الودية (التوفيق والوساطة)، وإذا لم تفلح يمكن اللجوء إلى “التحكيم” و”القضاء المختص”. ولهذا الغرض طالب القانون في المادة (34) فيما يخص التحكيم الداخلي باستحداث مركز “تحكيم مستقل” لدى اتحاد غرف التجارة السورية، وحددت اختصاصاته بالنظر في “المنازعات المدنية والتجارية الناشئة عن الاستثمار، على أن يضع اتحاد غرف التجارة السورية “النظام الداخلي للمركز”، ونظام “التحكيم” وفقاً للقواعد التي يحددها قانون التحكيم النافذ بما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون.

 أما بخصوص التحكيم الخارجي فقد أجازت المادة (35) من القانون تنفيذ:

‌أ- أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي إذا كانت مبرمة وقابلة للتنفيذ في البلد الذي صدرت فيه، وذلك مع مراعاة القواعد المبينة في قانون أصول المحاكمات النافذ.

‌ب- أمّا إذا كانت أحكام المحكمين صادرة في بلد أجنبي، وفقاً لأحكام القانون السوري، أو لاتفاقية ثنائية، أو إقليمية، أو دولية نافذة في سورية، فيتم اكساؤها صيغة التنفيذ بقرار من محكمة الاستئناف وفقاً للشروط المنصوص عليها في القانون أو الاتفاقيات آنفة الذكر، وتعامل معاملة أحكام التحكيم الوطنية، ما لم يرد نص في الاتفاقية يقضي بغير ذلك.

في المواد (37) وحتى المادة (50) نص القانون على جملة من الأحكام العامة المتعلقة بتصفية المشاريع أو نقل ملكيتها كلياً أو جزئياً، والمدد الزمنية لإنشائها، أو إلغاء الترخيص وغيرها من أحكام وهي عموما في صالح المستثمرين.

بموجب هذا القانون فقد تم إلغاء أغلب القوانين المتعلقة بالاستثمارـ ليبقي العمل بقرارات المجلس الأعلى للسياحة وسمح لوزارة السياحة تولي المهام التنظيمية المنوطة بالمجلس الأعلى للسياحة.

يعد القانون الجديد رقم (18) لعام 2021 قانوناً جيداً وشاملاً، وعالج كل المشاكل ذات الطابع القانوني والإداري والاقتصادي التي يمكن أن تنشـأ عن الاستثمار، من زاوية نظر المستثمر ومصلحته.  لكن الاستثمار ليس فقط رؤوس أموال يتم تحويلها إلى منشآت اقتصادية إنتاجية أو خدمية، بل يولد خلال حركته علاقات كثيرة مع مكونات البيئة الاستثمارية التي ينشط خلالها. اللافت مثلاً لم يتضمن القانون أي نص يتعلق بحقوق العمال، أو بحقوق المسوقين والمصدرين، أو بنوعية المنتج ومسالك تسويقه الداخلية والخارجية، مما يعني أن القوانين الأخرى المتعلقة بها سوف تظل مرعية التنفيذ.

رغم كل مزايا القانون التي استعرضناها في المقالات السابقة إلا أنه يفتقر إلى البيئة السياسية المناسبة لتطبيقه، وبدونها يصعب الحديث عن مناخ استثماري جاذب للاستثمار. كنا قد ختمنا مقالتنا الأولى برواية قصة تتعلق بالفساد المستشري في الجهاز الإداري، وبتطفل المتنفذين على حركة رؤوس الأموال بأشكال مختلفة وقصصهم التي لا تعد ولا تحصى. لا يمكن أن يخفى على المستثمرين أن النظام الأمني الجهازي يشكل أكبر عقبة أمام المستثمرين. إن تطبيق هذه القانون يحتاج إلى نظام ديمقراطي تسود فيه قيم الحرية والمسؤولية واحترام القانون، وقبل كل شيء يحتاج إلى بسط سلطة الدولة على كامل جغرافيا الوطن، وحل المشكلات التي نشأت عن نحو عشر سنوات من الصراع المسلح فيها وعليها. بل ويحتاج إلى عودة سوريا إلى وضع طبيعي في البيئة الإقليمية والدولية وتسوية المنازعات السياسية التي نشأت معها، وهذا يصعب تصور حصوله في المدى القريب.