الرقة ـ نورث برس
كان العرب البدو في الجزيرة العربية يتميزون بالعقال، بينما يمتاز العرب الحضر في اليمن والشام وغيرها بالعمامة. ويربط بعض الباحثين بين عقال الرأس وعقال الناقة إلا أن ذلك ربط لا تصحبه أدلة تاريخية. أما عن العقال في الرقة فله تاريخ وقصة.
يقول “علي العبود”، صاحب محل تجاري لبيع الزي الشعبي في مدينة الرقة لنورث برس، إن العرب عرفوا قديماً العديد من فوائد العقال، حيث كانوا يعصبون الرؤوس بخيوط مصنوعة من القطن عندما يشعرون بالصداع، إلى أن أخذ العقال في زماننا الحاضر بُعداً آخر، حيث أصبح مكملاً للباس الشعبي.
ويضيف “العبود” لنورث برس، أن بعض الأفراد يرون أن في لبسه شيء من السمو والشموخ، خاصة أنه أصبح علامة بارزة لإظهار شخصية صاحبه ومكانته الاجتماعية طبقاً لمعايير الجودة والشكل والتميز.
ومعروف أن تاريخ العقال مغرق في القدم، حيث أن فكرةَ استخدام نسيجٍ ما لعصب رداء الرأس فكرة قديمة جداً. إذ عُثر على منحوتة تُظهر رجلاً يرتدي ما يشبه الثوب وعقالاً على الرأس في منطقة ‘قلبان بني مرة’ في جنوب الأردن.
وفي حضارات بلاد ما بين النهرين، تُظهر المنحوتات المكتشفة ارتداء ما يشبه العقال. أما في العصور الإسلامية الأولى، فترد تسمية عِصَابة بمعنى “العِمامة وكلُّ ما يُعصَب به الرأس”.

منحوتة لرجل بابلي من حضارة الرافدين في القرن الثامن قبل المیلاد، معتمرا العقال وعلى رأسه غطاء يشبه نقوش الشماغ/الكوفية
وفيما بعد صار العقال جزءاً من اللباس الشعبي يرتديه الرجال في الجزيرة العربية، والعراق وبلاد الشام.. ويصنع عادة من صوف الماعز. ويلبس فوق الشماغ.
ولا يوجد اتفاق علمي على تاريخ نشوئه ومكانه، لكن، باتت قيمته كبيرة في العادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة والفنون، وفي الحياة الاجتماعية.
رمزية العقال وقيمته الاجتماعية
ويعد العقال رمزاً ثقافياً واجتماعياً يحرص على ارتدائه الكثير من الرجال لأنه يُعتبر جزءاً مكملاً لسمات الرجولة، وشعاراً يفتخرون به. وعلى الرغم من تطور الحياة العصرية إلا أنه مازال يصنع بالطريقة القديمة ويعرف أنه عادة اجتماعية وثقافية.
ويقول إبراهيم شعبان، (٥٤ عاماً)، وهو من سكان مدينة الرقة، ومهتم باللباس الشعبي والعقال، إن “العقال العربي رمز للرجولة والتقاليد في مجتمعنا ومكمل للزي الشعبي والتراثي وهو دليل للرزانة والشهامة عند ارتدائه”.
ويرى “شعبان” أن “العقال” صار جزءاً من العادات، فإذا شعر الرجل بالإهانة ألقى “عقاله” في المجلس ولا يعود للبسه حتى يسترد كرامته. ويخلعه عندما يتقدّم بطلب خاص، ولا يرتديه إلاّ عندما يُلبى طلبه.
كما أن رفع “العقال” في وجه أي شخص يشكّل إهانة كبيرة قد تؤدي خلاف كبير. بالإضافة إلى أن خلعه أو رفعه إلى أعلى الرأس دليل على الحزن والعزاء، ويعد علامة لكرامة القبيلة أيضاً، فإذا قام أحد أفرادها بفعل مُهين يُعَيِّرونه بقولهم المشهورة: “نكست عقالنا”، وفق “شعبان”.
وأشار إلى أن العرب كانوا يميزون ضيفهم من نوع العقال ووضعيته. فعلى سبيل المثال، يقوم أفراد قبيلة “شمَّر” بميل العقال إلى جهة اليمين. والعقال الذي له شرشوبة من الخلف فهذا دليل على أن الضيف من بلاد الشام.
وحافظ الرجال على لباسهم الشعبي بشكل عام، ويتألف من الزي العربي المُؤلَّف من الجلابية والشماغ والعقال والعباءة، ومن سماته الجمال والوقار. وهو الزّي المُفضل لدى السكان في المنطقة.
طريقة صناعته
حول طريقة عمل العقال، يقول خالد الأحمد صاحب محل لصنع العقال بالطريقة اليدوية في شارع القوتلي في الرقة، إنها “تمر بعدة مراحل: الحشوة من القطن الأبيض أو الأسود أو الرمادي، وثم لف الخيط الذي يسمى (المرعز) بواسطة الماكينة، ويوضع ضمن قالب دائري ليأخذ شكله المعروف”.

ويشير “الأحمد” إلى أن “المرعز” عبارة عن “خيط ناعم من صوف الماعز يحاك حياكة خاصة لبعض أنواع العِقَلِ، وتعود التسمية نسبة إلى الخيط الذي يصنع منه”.
وللعقال أنواع عدة، منها الأسود وهو المصنوع من الصوف وشعر الماعز، والأبيض، والزري وهو الخاص بالمناسبات والاحتفالات الوطنية، والوبر وهو المصنوع من وبر الجمال ويكون لونه بني فاتح أو أبيض، والمقصب وهو الحجازي المضلع ويرتديه في الغالب الأعيان والأمراء وسمي بالمقصب لأنه يقصب بخيوط ذهبية أو فضية، والمرعز.
أما سعر العقال فيخضع إلى معايير عدة، من حيث النوعية ونوعية الخيوط المستخدم، وطريقة وشكل النقشة وهي العناصر التي تحدد الثمن، ويتراوح سعر العقال الواحد بين ٢٠ إلى ٣٥ ألف ليرة سورية.
وكان ارتداء العقال مقتصراً على طبقات معينة في إشارة للمكانة الاجتماعية التي يتمتعون بها. واليوم صار شائعاً ويلبسه من أراد، حسبما قال خالد الأحمد صاحب محل لصنع العقال بالطريقة اليدوية في شارع القوتلي في الرقة.