أفغانستان قنبلة في طريق الحرير الصيني

زكية خدادي كادت تكون أول امرأة تمثل أفغانستان في دورة الألعاب البارا أولمبية في طوكيو, وحتماً لن تتكرر هذه الفرصة قريباً أمام المرأة الأفغانية التي سيمنعها طالبان من ممارسة الرياضة, كما ستسلب منها حقوق كثيرة كانت قد ناضلت على مدى عقود للحصول عليها.

ها هي الشمس تغيب وتنحجب عن نساء أفغانستان مع تخلي العالم عنهن, وكما انغلق الوطن سجنا على مواطنيه في إيران يوماً ما بمعية غربية وأميركية, ها هو ينغلق مجدداً في أفغانستان على مواطنيه ثانية. و كما كانت قد ساندت الولايات المتحدة و حلفائها صعود الملالي في إيران في السبعينيات و دعمت انقلابهم, ها هي الولايات المتحدة تفسح الطريق معبداً أمام صنف جديد من الظلاميين أعداء المرأة ,

بعد عشرين عام حرب قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المرأة وحقها بالتعليم وطبعاً تحت عنوان مكافحة الإرهاب، ها هو بايدن ببساطة يقرر الانسحاب.

أشعلت الولايات المتحدة النيران في أماكن عديدة من العالم ولم يحظ شعوب تلك الدول بأي من الوعود التي قدمتها لهم الولايات المتحدة, بل تحولت لدول فاشلة ولم يعد لها مكانة, هل ذنب الشعوب أنها حلمت بالحرية وتجرأت أن تتطلع للديمقراطية: العراق، أفغانستان، ليبيا، اليمن وسوريا أمثلة حية.

أما الصورة النمطية للتدخل الأميركي في العالم الثالث تبدو تلك التي تجسد صورة مكررة لمن تعين من حكام على نمط أشرف غني وكارازاي, تفرضهم من عندها على الشعوب الفقيرة وغالباً ما يميزهم الفساد الإداري وانعدام الكفاءات الحقيقة (رغم عناوين الجامعات الشهيرة التي مروا بها) وهذا ربما عن عمد لكي ينبذهم الشعب المفقر ويلجأ للإسلاميين. في أفغانستان فرضت الولايات المتحدة حكومات فاسدة وفاشلة ورؤساء تحركهم هي كما تشاء وتلعب بهم, بل وفرضتهم على الشعب عمداً وهي تعلم كم كانوا بعيدين كل البعد عن معاناته, كانت تمنع أي محاولات حوار حقيقية بين مكونات الشعب وترفض العمل على أي برنامج مصالحة وطنية, هي بالمحصلة دعمت حمل السلاح وأوقدت الحرب لا غير.

البارحة كانت هي المرة الأولى التي ينقلب فيها رئيس أميركي علناً على من وظف وحرك من أزلامه, محملاً الرئيس الفار أشرف غني مسؤولية الفساد والهزيمة وسوء الإدارة. لربما هو بالمطلق محق إذ مهما كان الرجل أداة بيد الدولة العظمى لقد كان بإمكانه أن يكون في لحظة صدق وجداني, وطني وقريب من شعبه.

شعور كبير بالخذلان والغبن يخيم على الشعب الأفغاني اليوم. لكنه ليس وحده المخذول بل العالم يقف مستغرباً من فظاظة المشهد, حتى الشعب الأميركي يتساءل اليوم بذهول لماذا أرسلوا أبنائهم على مدى عشرين عاماً للموت في أفغانستان إن كانت حقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية ليست شأنهم كما فسر أخيراً لهم الرئيس بايدن؟.

يرد الرئيس بايدن على العالم بأسره ببرود ودون تعاطف كبير, محملاً الشعب الأفغاني المسؤولية كاملة، مبرراً بأن الحكومة الأفغانية غارقة بالفساد وبأنه على الشعب والجيش مواجهة طالبان ومحاربتها بمفردهم، وكما يضيف مبرراً أنه زودهم بالسلاح .. ويبرر انسحابه هذا بكون الحرب هذه، كانت مكلفة على الولايات المتحدة وغير مجدية, والأهم أنه اكتشف بعد عشرين عاماً أنه لا يرى أي مصلحة للولايات المتحدة فيها.

بالنسبة لكلمة غير مجدية ولم تخدم مصالح الولايات المتحدة فهذا كلام قابل للنقاش, حيث المعلوم أنه من خلال الوجود الأميركي العسكري في أفغانستان, كانت تتم الضغوطات على إيران وباكستان والهند ولكن الصين بقت هي المستهدفة, والصين تعلم أكثر من أي أحد اليوم حجم المخاطر القادمة عليها, والدليل استقبالها بحفاوة لقيادات طالبان علناً وطلبها الواضح منهم بأن لا يقفوا في وجه معبر طريق الحرير القريب من حدود أفغانستان وبالتحديد تطالب الصين طالبان بألا يدعموا مسلمي الصين في احتجاجاتهم. فمن المتوقع جداً أن تصل أميركا للصين من خلال حكم الطالبان في أفغانستان وبهذا تدعم ثورة إسلامية داخلية عبر الإيغور وغيرهم من الصينيين المسلمين.

استقطاب إسلام الصين لثورات داخلية هو عمق مخطط أوباما لمواجهة الصين, وهو المخطط الذي أعلن عنه قبل انتخابه رئيساً مبيناً خطة استراتيجية محكمة لإضعاف الصين عبر دعم المد الإسلامي بداخلها ومن على حدودها وهذا من مصيره أن يوقع الصين بحرب إقليمية مع دول جوار إسلامية تستمد منها حالياً الصين اليورانيوم وغيره. وضمن استراتيجية الحصار الإسلامي للصين, تقع ضرورة المصالحة الأميركية مع إيران واستعادتها لصف الحلفاء ومن هنا تتوضح الغاية من إعادة فتح الملف النووي من قبل بايدن صبيحة انتخابه.

في مسار استكمال سياسة أوباما في الشرق الأوسط

تعتمد خطة أوباماد على تحالف أميركي سياسي مع حكومات إسلامية شرعية في دول ليكون المسار قانونياً بعكس ما كان في الماضي حين كانت تكتفي الولايات المتحدة في حربها ضد السوفييت والروس بالتعامل مع مجموعات مسلحة إسلامية أمثال بن لادن, الذي كان صديقاً قبل أن يصبح عدواً.

بالمحصلة، أهمية أفغانستان هي جيواستراتيجية من عدة نواحٍ حيث يعتمد المخطط الأوبامي على المصالحة بين الشق الشيعي والسني في تقارب طالبان من الملالي لاستقطاب الاثنين معاً بمعية قطر ومنظمات إسلامية, ولقد تم هذا فعلاً في الدوحة التي هي حليف هام في مشروع مكافحة الصين الأوبامي.

بالتالي الولايات المتحدة البارحة وعلى لسان رئيسها بايدن لم تغضب ولا حتى بكلمة حلفائها الجدد طالبان والملالي, بل يقر الرئيس الأميركي بأن النخبة الغربية التي دعمتها كانت غير كفئ في تلك البلاد, هذا لكي لا يعارض الشعب مصيره الإسلامي ولكي يرضى به بواقعية.

لنتذكر، أليس هذا أيضا ما كان يلام عليه شاه إيران يوم شجعت أميركا الملالي لقيام ثورة إسلامية؟.

الإسلام هو الحل هي بالنهاية مقولة أميركية

هذه الثنائية ديكتاتورية إسلامية أمام ديكتاتورية علمانية فاسدة, وضعت الشعوب المضحى بها بين خيارين كلاهما مر, ولكن لا الصين ولا روسيا مختلفين عن الولايات المتحدة فيما يخص مصير الشعوب. ورغم أن الاسلام السياسي لم يكن خيار إلا فئة قليلة من الشعب في أفغانستان وحتى في سوريا، إلا أن الدعم المادي واللوجيستي لم يصل إلا لهم ولا تتعامل المنظمات الدولية الغربية إلا معهم وفي المقابل رغم أن النظام السوري فاسد ومجرم ولا يجيد إدارة البلاد إلا أنه أيضاً مدعوم بمعية دولية لمواجهة أيضاً ليس مخيراً فيها.

هذا الانسحاب المجاني هدية لإيران, فيه رعبون صداقة أميركية, يأتي في مرحلة مفاوضات أميركية غربية بخصوص ملفها النووي, ورغم الخلافات المزعومة بين حركة طالبان والجمهورية الإسلامية إيران.

إلا أن حركة حماس الفلسطينية المدعومة إيرانياً وقطرياً هي أول من بارك لطالبان, لقد وقفت حماس مع الأسد بوضوح دون أن تغضب الإخوان وهي جزء منهم وأما الوسيط فهو قطر التي ألفت بين جناحي الإخوان إيران وتركيا ودعمت فكرة التطبيع مع طالبان.

بالنهاية مرحلة مواجهة الصين مع القطب الواحد الولايات المتحدة هي كما صرح الرئيس الصيني ستكون مكلفة جداً وشعوب العالم الثالث هي من ستدفع الثمن, وهذا الظلم يقع مضاعفاً في غياب آليات تنفيذ مستقلة لقانون دولي عادل ولفراغ أمني عالمي. كان يمكن أن تملئه مؤسسة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي ولكن المجتمع الدولي ضعيف جداً. نحن اليوم بعيدين كل البعد عن مرحلة البحث الأممي عن القيم الإنسانية التي عاشها أجدادنا صبيحة الحرب العالمية الثانية. حين كرست الدول حقوق الشعوب والقوانين بحد أدنى لمراعاة حدود الكبار مع الصغار.