الكُتَّاب السوريون.. رحلة معاناة شاقة بين الجهاز الرقابي الحكومي ودور النشر الخاصة
القامشلي ـ نورث برس
تكبد محمود الصالح (54 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد كُتّاب الرواية المعاصرة يعيش في السويداء جنوبي سوريا، عناء السفر إلى دمشق لمرات عديدة للاستفسار عن مصير روايته “المنسية” في وزارة الثقافة.
وقال “الصالح” لنورث برس، “بقيت روايتي طي الأدراج في وزارة الثقافة بدمشق لعام ونيف دون أدنى حدود من المسؤولية الأخلاقية في نشرها رغم أن القائمين في لجان الرقابة الكتابية قد اطلعوا عليها ولكن دون إعلامي برفضها أو قبولها”.
وبعد سفره المتواصل، التقى الكاتب بأحد القائمين في قسم الرقابة، وكانت تربطه به صداقة قديمة، “أعلمني بأن روايتي غاية في العذوبة ولكن تحوي دلالات سياسية لا تتوافق وشروط النشر الحكومي، وهمس في أذني أن أقوم بنشرها في دار نشر خاصة علَّها تجد طريقها إلى النور”.
ويرى “الصالح” أن الكتابة الأدبية في الرواية أو القصة وغيرها “عمل شاق يحوي هواجس عديدة لأنها تخضع لرقابة حكومية شديدة الصرامة ولا تسمح بأي هامش من الحرية الفكرية قد تتعارض وطبيعة الحكم في سوريا من وجهة نظر الرقابة”.
ويشير إلى أن “شبح الرقابة قد قض مضاجع الأقلام الأدبية الجادة في السويداء” وجعلها تلجأ إلى دور النشر الخاصة التي بدورها استثمرت في رفض القطاع الثقافي الحكومي للعديد من الروايات الهامة والتي تحمل دلالات في الأدب السياسي والأدب الواقعي التي تعكس وجع الإنسان.
وأشارت المادة التاسعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1948، إلى أنه “لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيُّدٍ بالحدود الجغرافية”.
ويقوم كُتّاب القصة، والرواية، والشعر السوريون، بطباعة إنتاجهم من خلال دور النشر الخاصة، بسبب عدم موافقة الجهات المعنية عليها، كونها تحوي عبارات، أو إشارات لا تتوافق وحكم الرقابة.
استغلال وعدم إنصاف
ولكن الاستثمار من قبل بعض دور النشر الخاصة، سدَّ الطرق أمام الكاتب في النشر عبر القطاع الحكومي، بالإضافة إلى الاستغلال المادي وعدم إنصافه مالياً مقابل نشر نتاجه الأدبي، بحسب الكاتب.
وأضاف: “بل إن الكثير من دور النشر كانت تطالب بمبالغ كبيرة لتغطية تكاليف النشر وحصر بيع الكتاب من خلالها إلى المكتبات المنتشرة داخل السويداء مقابل نسبة ضئيلة جداً من أرباح المبيع للمؤلف والتي قد تصل إلى عشرين بالمئة كحد أقصى من قيمة الكتاب المباع، وتحدد من قيمة مبيعه من قبل الجهة الناشرة”.
وأعرب “الصالح” عن اعتقاده في أن الكاتب الروائي الذي يحترم إنتاجه الأدبي لا يطالب بالمال بقدر اهتمامه بنشر كتابه بأية طريقة.
وتكمن قيمة الكتاب في قراءة الناس له، فهي الغاية التي يتوق إليها كاتبه، “على الرغم من أن الكسب المادي مقابل التأليف حق مشروع أسوة بالكثير من الكُتَّاب في العديد من الدول التي تولي للشأن الأدبي والثقافي أهمية قصوى في الانتفاع المعنوي والمادي على حد سواء”.
يقول حسين رجب، (٥٩ عاماً)، وهو اسم مستعار لكاتب قصة يعيش في مدينة شهبا ريف السويداء الشمالي، إن تكبيل دار النشر الحكومي التابع لوزارة الثقافة ومنع أي كتاب من النشر في حال كان يحمل إشارات أدبية صريحة أو مغلفة أو مبطنة حول الاستبداد والقهر والظلم الواقع على المجتمع من نظامه السياسي القائم، “هو السبب في دفع كُتَّاب السويداء المبدعين إلى تخفيض نتاجهم الأدبي والاعتكاف على القراءة فقط”.
وشدد على أن مهنة الكتابة الأدبية تعاني من “الاحتضار الإبداعي” تاركة الأبواب مشرعة لكل ما هو “رديء في الأدب والمحاباة لنهج الحكومة”. ولا يمكن القول عنها سوى أنها “تفاهات وترهات قصصية وروائية تشوه كل ما هو جميل في عالم الأدب ولا ترتقي إلى مستوى الشكل الأدبي الرفيع”.
وأضاف “رجب”: “دور النشر الخاصة لا تقل سوءاً عن دور النشر الحكومية فغايتها الربح ليس أكثر إلا ما ندر”.
وأشار إلى أن مالكي دار الطباعة والنشر الخاصة في السويداء والتي يبلغ عددها أربعة، “يطلبون من الكُتَّاب إعادة صياغة العديد من الأفكار والجمل الأدبية السردية التي تطال الحكومة بشكلها الصريح”.
كما يُطلب أحياناً حذف بعض العبارات واستبدالها بأخرى “خوفاً من الملاحقات الأمنية”، وأعرب عن اعتقاده في أن العديد منهم “لا يملك ذائقة أدبية أو رؤية ثقافية وكل التسويق، سواء داخل مدينة السويداء، أو خارج سوريا”.
وتكون حقوق النشر لدور النشر الخاصة وليس للمؤلف “ما يجعل الكاتب مكبلاً بتلك القيود وفقدانه الحق للنشر في دار طباعة أخرى”.
وتحدد دار النشر، عدد النسخ من القصة أو الرواية بحيث لا تتجاوز الألفي نسخة كحد متوسط وفي حال رغب الكاتب في زيادة أعداد النسخ فيكون ذلك بعد مدة من الزمن.
ويطلب من الكاتب حال التجديد مبلغاً إضافياً قد لا يقوى عليه “وهذا ما يجعل الكتابة الإبداعية وخروجها إلى النور في بلاد الطغيان والاستغلال الفكري كالذي ينحت في الصخر”، بحسب “رجب”.
هامش ضيق ومحدود
يقول رافع الزين، (٥٥ عاماً)، وهو أيضاً اسم مستعار لمسؤول حكومي في القطاع الثقافي، إن “هامش الحريات في الكتابة الإبداعية في مضمار الادب داخل السويداء ضيق ومحدود ولا يسمح بسقوف أدبية عالية تطال الواقع الاجتماعي المزري والذي يشكل مرآة الأدب الحقيقي”.
ويشير إلى أن القيود الرقابية “ليست محلية على مستوى السويداء وخاصة في ما يتعلق بالنشر، بل هي مركزية مرتبطة بمزاج الرقيب الحكومي في وزارة الثقافة ومدى السماح له بتمرير النصوص الأدبية ونشرها”.
وشدد “الزين” على أن لجان الرقابة والتدقيق التابعة لهيئة الكتاب والثقافة في دمشق “تخضع إلى رقابة أمنية تعلو عليها وهذا ما يدعو إلى السخط والاستخفاف بالأدب”.
ورأى الكاتب أن رفعة البلاد “تقاس بإبداع كتابها في مختلف الأجناس الأدبية. وشدد على أن “القمع الفكري وتأطير حريته هي من طبائع الاستبداد”.
وأضاف: تقلص الإنتاج الأدبي وانحساره من قبل أهم 10 كتاب قصة ورواية في السويداء “يعود إلى الترهيب الفكري ومسالكه الأمنية المعقدة في أروقة وزارة الثقافة في دمشق”.
وخلال العقود الأربعة الفائتة، انخفضت نسبة المؤلفات الأدبية في إلى أقل من الربع والصادرة من قبل وزارة الثقافة الحكومية، بحسب “الزين”.
وأشار إلى أنه ومنذ سبعة أعوام خلت لم يتم نشر سوى 3 روايات و3 قصص فقط لأهم الكتاب في السويداء “وهي نسبة ضئيلة جداً مقارنة بأعداد كُتَّاب الرواية والقصة في السويداء”.