ذوو مفقودين لدى داعش في البادية السورية يجوبون المقابر الجماعية

تدمر- نورث برس

يستعد عبد الله الراعي ( 45عاماً) مع زوجته، وهما من سكان تدمر في البادية السورية، للذهاب مجدداً إلى موقع إحدى المقابر الجماعية التي تم العثور عليها مؤخراً في بادية ريف حمص، للبحث عن جثة ولده الذي فُقد منذ العام 2016 أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على المنطقة.

وبعد مرور أعوام ومع غياب أي تقنيات حديثة، يعتمد “الراعي” وآخرون من ذوي المفقودين على علامات جسدية أو ترجيحات أثناء بحثهم بين الجثث التي يشرف على إخراجها ضباط للقوات الحكومية ومسلحون لمجموعات الدفاع الوطني الموالية لها.

وخلف تنظيم “داعش” العديد من المقابر الجماعية في المناطق التي كانت تحت سيطرته في البادية السورية، جرى العثور على بعضها، بينما ما يزال مكان الباقي مجهولاً إلى الآن.

ويختلط في المقابر تلك ضحايا التنظيم من المكونات والشرائح المختلفة في كل من سوريا والعراق، كما تضم المقابر نفسها جثث مقاتلي جهات عسكرية مختلفة وحتى بعض عناصر “داعش” أحياناً.

وفي شباط/ فبراير عام 2020، قالت “هيومن رايتس ووتش” إن على السلطات في سوريا أن تعالج كأولوية ما حدث للأشخاص الذين اختفوا أثناء احتجازهم لدى تنظيم “الدولة الإسلامية” عندما كان يسيطر على أجزاء من سوريا.

ودعت السلطات لجعل مشاركة المعلومات مع العائلات أولوية، وأن تساعد في إنشاء نظام رسمي لمعالجة قضية المفقودين والسماح للعائلات بتسجيل قضاياهم.

بحث صعب

ولم يتمكن “الراعي” من معرفة مصير ولده منذ اعتقاله من قبل عناصر التنظيم بتهمة التعامل مع القوات الحكومية في محيط مدينة تدمر، ولم تردهم أي معلومات عنه رغم بحثهم المستمر.

وخلال السنوات الماضية، جاب الوالدان مناطق مختلفة من ريف دير الزور إلى بادية حمص، وما يزالان يبحثان في كل مرة يسمعان فيها بالعثور على مقابر جماعية جديدة.

ويرجح الأب ما يخشاه، وهو أن يكون ابنه قد أُعدم في السجن على يد مسلحي التنظيم، “وربما تم دفنه في إحدى المقابر الجماعية”.

وتقول هناء الخميس، وهي والدة المفقود، إنها تريد التعرف على جثة ولدها إن كان ميتاً، حتى تدفنه من جديد وتتمكن من الذهاب لزيارة قبره.

ومنذ العام 2017 وحتى الآن، تم العثور على  ثمانية مقابر جماعية في البادية السورية، بحسب أنور الجاسم، وهو ممرض في مشفى تدمر الوطني.

وجرى الكشف عن تلك المقابر في محيط مدينة تدمر وبلدة السخنة وبالقرب من سلسلة جبال تدمر وبلدتي العامرية والقريتين.

وأشار الممرض في المشفى الوطني إلى أن المقابر تضم جثثاً مجهولة الهوية لمدنيين من كافة المناطق التي كانت سابقاً تخضع لسيطرة التنظيم، وجثثا أخرى لعناصر من القوات الحكومية السورية وبعضها تعود لعناصر “داعش” أنفسهم.

ويتراوح عدد الجثث التي تم التعرف عليها في المقابر الثمانية وتسليمها لذويها ضمن محاضر رسمية ما بين 50 و70 جثة، بحسب الممرض في المشفى.

ومنتصف الشهر الماضي، عثرت القوات الحكومية على مقبرة تضم رفات 30 عنصراً بالزي العسكري الخاص بالتنظيم خلال عملية تمشيط في محيط نقاط عسكرية في البادية.

وتم الكشف على المقبرة بحضور ثلاثة أطباء شرعيين قدموا من العاصمة دمشق في التاسع عشر من تموز/ يوليو الفائت، بحسب عنصر في الفيلق الخامس للقوات الحكومية.

وجرى إغلاق المقبرة من قبل الفريق الطبي وإنشاء نقطة عسكرية للفيلق الخامس والدفاع الوطني بالقرب منها، “لحين دراسة القيادات المركزية في دمشق مصير هذه الجثث، بحسب المصدر نفسه.

ترجيحات واحتمالات

ويقوم ذوو المفقودين الذين تُستخرج جثثهم من تلك المقابر بالتعرف عليها من خلال علامات مميزة في الجسد، لعدم وجود مخابر تحليل وتقنيات حديثة للتحقق من هوية الجثث.

وتؤدي هذه الطريقة لحرمان الكثير من العائلات من التعرف على جثث ذويها، وتسجيل غالبية الجثث كمجهولة الهوية، بحسب الممرض في مشفى تدمر.

ويشتكي ذوو مفقودين لدى تنظيم “داعش” من صعوبة التعرف على  الجثث بعد مضي سنوات من دفنها، واختفاء العلامات المميزة التي قد تساعد في التعرف على أصحابها.

لكن عبد الله الساير 21) عاماً)، وهو من سكان مدينة تدمر، قال إنه تمكن من التعرف على جثة شقيقه الذي قُتل في سجون التنظيم منذ منتصف العام 2016، بعد توجيه تهمة مساعدة الطيران على استهداف نقاطهم.

وأضاف أن أفراد العائلة تعرفوا على جثة أخيه من خلال إصبع مقطوعة في قدمه اليمنى، وذلك أثناء الكشف على الجثة في مقبرة التلة جنوب مدينة تدمر.

وقال حسين الكريم، وهو قيادي في الدفاع الوطني في تدمر، إن الأولوية في الكشف لدى المشرفين على فتح المقابر هي لجثث العسكريين، التي “يتم إخراجها نحو مقابر أخرى وتوثيقها مع محتوياتها ضمن محاضر رسمية، ليتم تسليمها أصولاً لذوي المفقودين في حال تم التعرف عليها”.

وأشار إلى أنه يُسمح لمدنيين فقدوا أقاربهم بالتواجد خلال عملية انتشال الجثث الأخرى من قبل الدفاع المدني والطب الشرعي، بهدف التعرف على جثث ذويهم.

ويجري تسليم الجثث التي يتم التعرف عليها لذويها بعد توثيقها وكتابة محضر تسليم لها.

بينما يتم ترحيل الجثث المجهولة إلى مقبرة مخصصة في محيط بلدة العامرية وسط البادية السورية، حيث يتم دفنها هناك بعد توثيق محتوياتها ومواصفاتها ومنحها أرقاماً بهدف تسهيل إعادة النظر في أمرها.

ورغم مطالبة عائلات المفقودين الحكومة السورية بجلب أجهزة تحاليل حديثة تمكنهم من التعرف على جثث ذويهم، لكنهم لم يلقوا آذاناً صاغية، بحسب قول ذوي مفقودين.

ويعتمد بعضهم على ترجيحات بالاعتماد على علامات غاب بعضها، ليبقى بعض الشك في الأمر، ويصبح مكان الدفن الجديد قبراً محتملاً لمفقودهم، بينما تتلاشى فرصة آخرين في التعرف على الجثث مع مرور المزيد من الوقت عليها.

إعداد: آية الأحمد- تحرير: حسن عبدالله