إدلب– نورث برس
بعد نحو عام من عودته إلى بلدته معارة النعسان شرق إدلب، شمال غربي سوريا، الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، لا يزال ثائر الجمعة (37 عاماً) يسكن في منزل متصدع تعود ملكيته لأحد أقاربه المهجرين في الخارج، كان قد تعرض للقصف أثناء الحملة العسكرية للقوات الحكومية وروسيا مطلع العام الماضي.
وعلى الرغم من ادخاره مبلغاً من المال من عمله في إصلاح الدراجات النارية، يمكنه من إعادة تأهيل غرفتين من منزله المهدم بشكل شبه كامل في البلدة، إلا أن “الجمعة” يتخوف من الإقدام على ذلك، في الوقت الذي تشهد مناطق مجاورة بريف إدلب الجنوبي تصعيداً عسكرياً.
ويخشى سكان في مناطق مجاورة بأرياف إدلب تتعرض للقصف، من ترميم منازلهم المدمرة وإعادة تأهيلها وسط تداول أنباء عن نية القوات الحكومية شن عملية عسكرية في المنطقة.
ويقول هؤلاء إن عدم وضوح مصير المنطقة وخشيتهم من أن تتعرض المنازل للتدمير بعد إعادة ترميمها، دفعهم للتريث في أعمال التأهيل.
ومنذ أشهر، تشهد منطقة جبل الزاوية جنوب إدلب ومنطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي تصعيداً عسكرياً وعمليات قصف متبادل بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة المسلحة، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم منذ الخامس من آذار/مارس عام 2020.
وأسفر التصعيد الأخير عن مقتل وجرح عشرات المدنيين ونزوح المئات، في ظل تداول أنباء تتحدث عن حشود عسكرية على مختلف المحاور بأرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية شمال غربي سوريا.
“لا ثقة بتركيا”
ويقول “الجمعة” إن المنزل الذي يسكنه حالياً جدرانه متصدعة ومعرض للانهيار في أي وقت، خاصةً وأنه تعرض للقصف عدة مرات العام الفائت.
ويجد الرجل الثلاثيني نفسه مجبراً على السكن في ذلك المنزل، في ظل ندرة المنازل المؤهلة للسكن والمعروضة للإيجار في البلدة.
ويغيب الموقف التركي من التصعيد العسكري وهو ما يولد لدى السكان شكوكاً في نواياها، ومخاوف من تسليم المنطقة للقوات الحكومية، كما جرى سابقاً في شمال حماة و جنوب شرق إدلب.
ويشير “الجمعة” إلى أن حاله كحال الآلاف في بلدته والقرى المجاورة، إذ ينتظر السكان معرفة مصيرهم، إما البقاء في منازلهم أو النزوح، خاصةً وأن ثقتهم “بالضامن التركي معدومة بشكلٍ كامل”، على حد تعبيره.
وتنشر القوات التركية في أكثر من 60 نقطة عسكرية لها في أرياف إدلب، ويتركز انتشارها في منطقة جبل الزاوية، في حين يقدر عدد العناصر بنحو 13 ألف عنصراً، إضافةً إلى مئات الآليات العسكرية.
ومنتصف الشهر الماضي، شهدت معظم هذه النقاط مظاهراتٍ نددت بالصمت التركي إزاء التصعيد العسكري الذي تشهده قرى وبلدات جبل الزاوية.
ورفع المحتجون حينها لافتات كتب عليها، “إلى الضامن التركي السيد أردوغان إذا لم تستطع حماية أطفالنا دعنا نموت بهدوء من أجل أن يكتب التاريخ أن الجيش التركي يقتل أطفالنا”.
وخلال الأيام الماضية، ووفقاً لمصادر عسكرية معارضة، قصفت القوات الحكومية بقذائف المدفعية الثقيلة والصواريخ قرى وبلدات منطف والفطيرة وفليفل ودير سنبل وبينين والبارة وكنصفرة بجبل الزاوية.
كما استهدفت أيضاً بالقذائف المدفعية الموجهة ليزرياً قريتي معرزاف وبينين في القسم الشرقي من منطقة جبل الزاوية، وذلك من مواقعها في محيط معرة النعمان، بحسب ذات المصادر.
منازل توقف بناؤها
ومطلع الأسبوع الجاري، تعرضت بلدة معارة النعسان، وهي متاخمة لمناطق سيطرة القوات الحكومية في ريف حلب الغربي، لقصف مدفعي وصاروخي استهدف الأحياء السكنية في البلدة.
ومؤخراً، تمكن مؤيد غزال (50 عاماً)، وهو من سكان بلدة تفتناز شرق إدلب، والتي تشهد هدوءاً نسبياً منذ مطلع العام الجاري، عن إكمال ترميم منزله لمدمر، بعد الأنباء التي تحدثت عن تحشيدات للقوات الحكومية في ريف حلب الغربي المجاور.
كما أنه عزف عن فكرة استكمال بناء منزل جديد لابنه الذي يخطط للزواج والسكن في بيتٍ مستقل.
ويشير الرجل الخمسيني إلى أن بناء غرفتين ومنافع يحتاج لتكلفة لا تقل عن سبعة آلاف دولار أمريكي (نحو 22 مليون ليرة) بسبب الارتفاع الكبير بأسعار مواد البناء من حديد وإسمنت و غيره.
“لست مستعداً لوضع كل هذا المبلغ في منزل من الممكن أن يتعرض للقصف في أي لحظة، أو في بلدة من الممكن أن يهجر سكانها في أي لحظة أيضاً خاصةً وأنها قريبة من مناطق سيطرة النظام”.
واختار أحمد وهو الابن الأكبر لمؤيد غزال أن يسكن مؤقتاً في منزل شبه مدمر وخاصة أن عرسه الذي اقترب موعده.
ويقول: “ليس لدينا خيار ثان، لا نستطيع أن نعمر ونخاطر بما تبقى لدينا من مال، لأننا بالتأكيد سنكون بحاجة له في حال نزوحنا”.
ويشير أحمد إلى أن مخاوف السكان تكمن في ظل عدم وضوح موقف تركيا، التي يهمها في الأخير “مصالحها، و من المؤكد أنها ستلم إدلب كاملة حال حصولها على مناطق جديدة في مناطق أخرى بسوريا.