بغداد تستعد لعقد مؤتمر يثير تساؤلاً حول إمكانية جلوس القادة “الأعداء” في محفل واحد
أربيل ـ نورث برس
تستعد العاصمة العراقية بغداد نهاية هذا الشهر، لاحتضان مؤتمر إقليمي مع قادة دول الجوار الستة وهي إيران والسعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت.
أسماء هذه الدول ووضعها على طاولة واحدة في العراق يثير جدلاً حول قدرة العراق على عقد المؤتمر بمستوى القادة من عدمه.
والسؤال الأبرز هنا، هو “كيف من الممكن أن يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محفل يتواجد فيه الرئيس السوري بشار الأسد، أو الرئيس الإيراني مع الملك السعودي؟.”
وترى بغداد أن خطواتها نحو تطبيق سياسية تصفير المسائل العالقة مع دول الجوار وانفتاحها إلى المحيط مرهونة بنجاح هذه القمة.
وفي حال انعقد المؤتمر بالفعل نهاية هذا الشهر حسبما هو مقرر، ما يشير إلى أن بغداد ستكون مكاناً لتواجد رؤساء دول “متخاصمين” منذ عقود.
مؤشرات ومعطيات
ويقول إحسان الشمري وهو رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، إنه “بلا شك ليس من السهل عقد مثل هكذا مؤتمر لدول الجوار الإقليمي، لكن بالعودة إلى الخلف سنعرف مؤشرات إمكانية نجاحه”.
وأشار “الشمري” وهو أيضاً استاذ في جامعة بغداد، إلى “معطيات” تدل على إمكانية عقد المؤتمر.
وقال إن العراق نجح أن يكون طرفاً في الحوارات الاستراتيجية وجمع أطراف متضادة كالسعودية وإيران في الوقت الذي لم يتوقع أحد ان يكون العراق حاضنة لدولتين مختلفتين.

رايات العراق ودول الجوار الستة خلال بروتوكول تحضير قمة بغداد لرؤساء برلمانات دول الجوار في نيسان 2019
وذكر أن بغداد شهدت بشكل غير علني مفاوضات بين تركيا ومصر في الداخل العراقي.
وجرى في بغداد، قمة ثلاثية مع القاهرة وعمان على مستوى قادة الدول الثلاث، تحدث عنها مراقبون أنها تأتي في إطار مخطط ما يسمى بـ”الشام الجديد”.
وبحسب “الشمري”، فإن للدول المجاورة “نية إعادة العراق لدوره الفعال والقوي لتهدئة أزمات المنطقة وتخفيف شدة التوتر بين الجوار”.
ونجاح انعقاد القمة فرضاً، من شأنه أن يسلط الضوء على أن العراق “مؤهل لأن يكون له دور الوسيط”.
وعزا الشمري ذلك إلى أن العراق يمتلك مواقف وعلاقات متزنة مع الجوار وليس له صراع معها.
وسبق وطلبت إيران رسمياً من الكاظمي أن يكون له دور وسيط بينها وبين السعودية.
وبحث رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الاثنين، التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الإقليمي.

الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة العراقي
وشدد الرئيس الفرنسي على تطلعه لزيارة العراق وحضور المؤتمر.
وتحدث الباحث السياسي عن المتغيرات التي حصلت في المنطقة كالمقاربة الأميركية الجديدة في المنطقة، وهذا برأيه قد يدفع الأطراف إلى أن تجتمع على أرض محايدة وهي العراق وتقف على مسافة واحدة من الجميع.
ومن غير المتوقع أن يتم تصفير كل المشاكل بين دول الجوار في هذا المؤتمر بحسب “الشمري”، لكنه شدد على أنها “خطوة متقدمة في هذا الصدد وتعزز الأمن والاستقرار”.
وتسعى الحكومة العراقية إلى أن يكون المؤتمر على شكل قمة على مستوى الزعماء، وقد وجه دعوات إلى الرئيس التركي وأمير الكويت وملك السعودية.

رئيس الحكومة العراقية ووزير الخارجية السعودي
وقال الباحث السياسي إنه “مهما كان مستوى التمثيل ورغم أنه مهم ويعكس سياسيات الدول، لكنه سيكون رفيعاً بكل الأحوال، وليس من المستبعد أن تنعقد القمة على مستوى القادة”.
ومن المتوقع أن يوجه العراق دعوة إلى الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وملك الأردن عبدالله الثاني.
فرصة إقليمية لدمشق
قال مازن بلال وهو كاتب وسياسي يقيم في دمشق، لنورث برس: “لا يمكن معرفة القرار السوري لحضور مؤتمر جوار العراق، فهو فرصة إقليمية بغض النظر عن الدوافع العراقية”.

الرئيس السوري ورئيس الحكومة العراقية
وأشار السياسي إلى أن المؤتمر يمكن أن يشكل نافذة لدمشق باتجاه حوار يعيد لها دورها الذي فقدته خلال الحرب.
واستبعد “بلال” أن يقدم المؤتمر نتائج مباشرة، “لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح لتعبئة أي فراغ نتيجة انسحاب واشنطن من أفغانستان والعراق.
كما أعرب عن توقعه في أن يخلق المؤتمر توازناً وتنسيقاً بين تلك الدول لمحاصرة التوتر، فهو سيساعد على طرح المشاكل الإقليمية أمام كافة الدول المشاركة وتهدئة مخاوفها المتبادلة.
وبالنسبة لسوريا على وجه الخصوص، فيرى السياسي، أن المؤتمر “مؤشر أساسي في علاقاتها الإقليمية. فحضورها يعني بالدرجة الأولى نهاية مرحلة من العزلة الدبلوماسية”.
ويضيف: “من غير المتوقع أن تضع سوريا شروطاً لحضورها، ولكن في نفس الوقت فإن احتمالات مصالحة واسعة مع دول مثل السعودية وتركيا ستبقى محدودة، فالمؤتمر لا يحمل مثل هذا الطموح”.
وإذا استطاعت العراق تحقيق تهدئة بين طهران والرياض فهذا الأمر “سيعد سابقة(..)، يبقى أن الأزمة السورية هي أزمة علاقات مع الجوار، والمؤتمر سيفتح مجالاً لتصحيح بعض المسارات في علاقة دمشق مع دول المنطقة”، بحسب “بلال”.
وتأتي استعدادات عقد المؤتمر بعد أيام من مفاوضات جرت بين واشنطن وبغداد في إطار الاتفاقية الاستراتيجية والتي تضمنت قرار سحب قوات التحالف الدولي وتحويل مهامها في البلاد إلى التدريب والاستشارة والتسليح.
وقبل أيام، أعلن التحالف الدولي انسحاب قوات له من العراق باتجاه الكويت، حيث تُعدُّ أول قوة تنسحب من العراق بعد أن توصل الطرفان إلى صيغة للعلاقة الاستراتيجية.
وأمس الاثنين، أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات العراقية المسلحة اللواء يحيى رسول، أن انسحاب تلك القوات جاء ضمن مخرجات الحوار الاستراتيجي.