دمشق – نورث برس
تفاجأت سحر شوشرة (42 عاماً)، وهي من سكان حي اللوان في منطقة كفرسوسة وسط العاصمة دمشق، عندما سمعت أنَّ مقبرة “وقف الأحداث” في الحي، معرضة للإزالة بالكامل لاستكمال بناء مشروع يعرف باسم ماروتا وباسيليا سيتي.
وفي الرابع والعشرين من تموز/يوليو الماضي، أنذرت محافظة دمشق سكان حيّ اللوان بنقل رفات ذويهم من مقبرة “وقف الأحداث” إلى مقابر أخرى، خلال عشرة أيام بدعوى أنَّ ملكية الأرض تعود لإحدى مؤسسات الحكومة.
وتقع مقبرة “وقف الأحداث” في منطقة عقارية في اللوان، وأُوقف الدفن فيها منذ العام 2014، وتعد “عشوائية” إذ دفن فيها الموتى أثناء اشتداد المعارك في الحي وصعوبة الوصول لمقبرة نجها على أطراف العاصمة.
وعام 2013، توفي والد “شوشرة”، “وبسبب وضع البلد آنذاك دفنَّاه في المقبرة بعد شراء القبر من المحافظة”، على حد قولها.
وأشارت “شوشرة” ومعظم من التقتهم نورث برس إلى أنهم حصلوا على موافقة مكتب الدفن وقاموا بشراء قبور في مقبرة “وقف الأحداث”، إلا أن المكتب لم يخبرهم بأن الدفن مؤقت وأنهم سيستلمون إنذاراً بنقل رفاة ذويهم لمقبرة أخرى.
ويجد ذوو متوفين صعوبات في دفع رسم قبر جديد لنقل رفات موتاهم، بسبب ارتفاع أسعارها، حيث يتراوح رسم القبر في مقبرة نجها والتي تعد الأرخص ما بين 75 ألف و150 ألف ليرة سورية.
وقد تبلغ كلفة القبر في مقابر أخرى وخاصة وسط العاصمة سبعة ملايين ليرة بين دفع ما يسمى بـ “التنازل عن استحقاق الدفن” لمكتب الدفن في المقبرة والدفع لمالك القبر السابق.
ويحدث ذلك في ظل تراجع مستويات الدخل لدى السكان وانخفاض قدرتهم الشرائية بسبب ارتفاع أسعار كافة المواد وتدني قيمة رواتبهم الحكومية.
مشروع سكن بديل
وعام 2012، صدر مرسوم تشريعي يقضي بإحداث منطقتين تنظيميتين في بساتين المزة خلف الرازي، ويمتد المشروع من جنوب المتحلق الجنوبي وصولًا إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين على مساحة تبلغ 900 هكتار.
وتضم ماروتا سيتي، بحسب المرسوم، مناطق جنوب شرقي المزة من المنطقتين العقاريتين مزة- كفرسوسة، أما باسيليا سيتي فتضم جنوب المتحلق الجنوبي من المناطق العقارية في مزة وكفرسوسة وقنوات بساتين وداريا والقدم.
والسكن البديل هو عبارة عن منازل خصص بها سكان المنطقة التنظيمية الأولى وسيتم بناؤها في المنطقة الثانية التي يقع حي اللوان ضمنها.
وقال مصدر في مكتب دفن الموتى بدمشق، لنورث برس، إن “ذلك الخلل في مقبرة وقف الأحداث لا بد من تصحيحه اليوم”.
وتضم كفرسوسة مقبرتين، أولاهما صغيرة وتدعى “وقف الأحداث” وتحوي نحو 200 قبر، وهي المهددة بالترحيل، والثانية كبيرة تدعى “علي ديب” وتحوي حوالي ثلاثة آلاف قبر، بحسب المحامي العام في دمشق.
وفي نهاية تموز/يونيو الماضي، قال المحامي العام في دمشق خالد معربوني، في تصريح لإذاعة محلية، إنَّ مقبرة “وقف الأحداث” مخصصة لإنشاء السكن البديل.
وذكر، حينها، أنَّ محافظة دمشق ملتزمة بتسليم الأرض للمؤسسة العامة للإسكان لمتابعة تنفيذ مشروع السكن البديل.
وأثار قرار الإنذار القاضي بترحيل رفات متوفي الحي استياء ذويهم، وسط عدم قدرتهم على فعل أي شيء.
ووفقاً للمحامي العام بدمشق، فإنه ليس هناك أي مانع قانوني يحول دون نقل رفات أي متوفى طالما اقترن ذلك بطلب من ذويه بإشراف قضائي وتنفيذ ورشات متخصصة من مكتب دفن المتوفى.
وأشار “معربوني” إلى أن “عملية نقل القبور من المقبرة مجانية باستثناء 2000 ليرة سورية فقط تُدفع في مكتب الدفن لمن لديه قبر، ومن ليس لديه قبر يدفع رسم قبر جديد في مقبرة نجها، وهو ما يجده معظم ذوي المتوفين يفوق إمكاناتهم.
قرار لا رجعة فيه
ويتم الاعتراض على قرار إزالة القبور ونقل الرفات إلى مقابر أخرى إما عبر المراجع الإدارية في محافظة دمشق ووزارة الإدارة المحلية في حكومة دمشق، أو من خلال دعاوى قضائية.
وبحسب المحامي العام، فإنه حتى الآن “لم نسجل حالات اعتراض أو دعاوى قضائية ترفض تنفيذ هذا القرار”.
لكن ذوي متوفين اعتبروا أن الاعتراض لدى القضاء على إزالة المقبرة لن يأتي بنتيجة، جراء إجراءات التقاضي المعقدة والطويلة ولأن الجهة المعترض عليها حكومية، “فالنتيجة معروفة مسبقاً”، على حد قولهم.
ولجأ عدد منهم للاعتراض شفهياً وكتابياً لدى المحافظة، لكن الأخيرة أخبرتهم أن القرار نهائي ولن يستفيدوا من الاعتراض عليه، وهو ما أكده مصدر من المحافظة لنورث برس.
وقال المصدر في محافظة دمشق إن قرار نقل المقبرة صدر ولا تراجع عنه، وفي حال امتنع أحد السكان عن نقل رفات قبر ذويه، فإنَّ المحافظة مضطرة بالتنسيق مع مكتب دفن الموتى للقيام بعملية النقل.
وذكر المصدر، الذي اشترط عدم نشر اسمه، أنَّ ذلك يتم “بإشراف قضائي وتنفيذ ورشات متخصصة من مكتب دفن المتوفى”.
وقال أحمد نزهة (43عاماً)، وهو من سكان حي جوبر الدمشقي ونزح إلى حي اللوان عام 2012، إنه لا يملك إمكانات دفع رسم قبر في مقبرة نجها لإعادة دفن والده المدفون في مقبرة وقف الأحداث منذ سنوات.
وتساءل، “أين أذهب برفات والدي ومقبرة جوبر لا تزال مغلقة؟”
وطالب “نزهة” أعضاء المجلس البلدي ومختار الحي “بتحرك ما لإيقاف نقل المقبرة من مكانها”، لأن مقبرة عائلته في مقبرة باب الصغير لا تضم قبراً فارغاً اليوم.