منذر خدام
في خطاب القسم ركز الرئيس السوري في موضوع الاقتصاد على ضرورة الاستثمار، ولهذا الغرض صدر مؤخراً قانون جديد للاستثمار. فما هي حقيقة هذا القانون؟ وماذا جاء فيه؟ وهل سوف يحفز حقيقة على الاستثمار؟.
وبالفعل أصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون رقم 18 لعام 2021 الخاص بتشجيع الاستثمار في سوريا، وهو بذلك يلغي القانون رقم 10 لعام 1991 وتعديلاته المختلفة. لقد حددت المادة الثانية منه الغرض من إصداره بـ”إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال، والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة، لتوسيع قاعدة الإنتاج بهدف زيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي بما ينعكس إيجاباً على زيادة الدخل القومي وصولاً إلى تنمية شاملة ومستدامة”. هدف كبير بلا شك لكن مفهوم الاستثمار بحسب القانون قد ضيق منه بعض الشيء إذ حصره في إحداث “كيان اقتصادي جديد في أحد القطاعات الاقتصادية”، وتجاهل الاستثمار في تحسين تشغيل المنشآت الاقتصادية القائمة.
وتم التأكيد على هذا الهدف مرة ثانية في المادة (3-أ) بتحديد المشروع الذي يسمح القانون به هو ذاك الذي “يقيمه” المستثمر بمفرده أو عن طريق شراكات مشتركة مع أي من جهات القطاع العام، هذا يعني استثناء الاستثمار في المشاريع القائمة.
حدد القانون في المادة (4) منه المبادئ العامة التي يسترشد بها القانون من قبيل ضمان استقرار سياسة تشجيع الاستثمار وحريته، والعدالة في منح الفرص الاستثمارية، والسرعة والجودة في إنجاز معاملات المستثمرين، ومراعات الجوانب الاجتماعية والبيئية والصحة العامة عند إنشاء المشاريع.
أما في المادة (5) منه فقد حدد القانون ضمانات الاستثمار وهي التي تهم المستثمر أكثر من غيرها. لقد نص القانون على عدم “جواز إلقاء الحجز الاحتياطي على المشروع أو فرض الحراسة عليه إلا بموجب قرار قضائي”. وعدم “نزع ملكية المشروع إلاّ للمنفعة العامة وبتعويض يعادل القيمة الحقيقية للمشروع، وفقاً للسعر الرائج بتاريخ الاستملاك. ويُسمح للمستثمر بإعادة تحويل مبلغ التعويض الناجم عن المال الخارجي الذي أدخله بغرض تمويل الاستثمار وذلك إلى الخارج وبعملة قابلة للتحويل”. وعدم “إخضاع المشروع لأي أعباء إجرائية جديدة ناجمة عن قرارات وتعاميم وبلاغات صادرة عن أي جهة عامة، غير واردة في الدليل الإجرائي المعمول به بتاريخ تقديم طلب الحصول على إجازة الاستثمار، باستثناء ما يتعلق بالبيئة والصحة العامة. وعدم جواز إخضاع المشروع لأي أعباء مالية جديدة غير واردة في الدليل الإجرائي المعمول به بتاريخ تقديم طلب الحصول على إجازة الاستثمار، خلال مرحلة التأسيس .وعدم إلغاء إجازة الاستثمار إلا بعد إنذار المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه التي تخص المشروع وإعطائه مهلة تسعين يوماً لإزالة المخالفة تبدأ من اليوم التالي لتبلّغه الإنذار. ويكون قرار الإلغاء معللاً”.
إن الضمانات التي يمنحها القانون للمستثمرين جيدة عموماً، لكن العبرة ليس في النصوص بل في التطبيق. القانون السابق للاستثمار الذي صدر في عام 1991 برقم (1) والتعديلات الكثيرة التي أدخلت عليه كان يتضمن في نصوصه ضمانات جيدة، لكن مع ذلك لم تحمِ المستثمرين من تطفل المتنفذين في الدولة أو في الجهاز الإداري.
تحضرني في هذه المناسبة حادثة كنت شاهداً عليها، على طاولة الغداء الذي دعانا إليها أحد رجال الأعمال المهمين في اللاذقية بعد الندوة الاقتصادية التي شاركت فيها إلى جانب عبد الله الدردري الذي كان يرأس الفريق الاقتصادي الحكومي، في ذلك الوقت عرض أحد المستثمرين شكواه أمامه وبحضور المحافظ، متوقعاً أن يتدخل ليكف التطفل على مشروعه الذي بدأ بإنشائه بكلفة تقديرية تبلغ نحو 500 مليون ليرة سورية في ذلك الوقت. فبحسب الشكوى إن المستثمر قد أنجز جميع التراخيص اللازمة، وقد كلفته الكثير؟!، وبعد أن قطع شوطاً مهماً في البناء يأتي أمر بالتوقف لعدم استكمال إجراءات الترخيص. ضحك الدردري وقال له “يدعونك تبدأ بالمشروع بحيث يصعب عليك التراجع، ومن ثم ينبشون لك ثغرة معينة يكونون قد تركوها عن قصد في إجراءات الترخيص لكي يبتزونك لتدفع أكثر (…) لو كنت أنا شخصياً المستثمر لعاملوني بالطريقة ذاتها”. وضحك الجميع، في حالة تستلزم البكاء للأسف.
في المواد (6) وما بعدها، يحدد القانون التنظيم المؤسساتي للاستثمار وصلاحياته، وهي عموماً تتناقض مع مبدأ تبسيط إجراءات الاستثمار. مع ذلك من محاسن هذه القانون أيضاً ما جاء في المادة (16) والمادة (17) والمادة (18) منه باستحداث مركز لخدمة المستثمرين في الهيئة وفي فروعها في المناطق التنموية والتخصصية، يعمل كنافذة واحدة ويضم ممثلين عن جميع الجهات العامة المعنية بالاستثمار، يتولى “تلقي ودراسة طلبات الاستثمار، واستصدار التراخيص والموافقات اللازمة، ومنح إجازة الاستثمار، وتقديم الدعم الفني، وتسجيل الشركات.. وتحديد مدة ثلاثين يوماً للبت بطلب الاستثمار”. في المقالة القادمة سوف نستكمل قراءتنا فيه لنوضح المزايا التي يمنحها القانون للمستثمرين وقضايا أخرى.