التصعيد العسكري وغلاء المستلزمات يدفعان مزارعين بريف حماة للعزوف عن الزراعة

حماة نورث برس

عزف عبد الكريم العبيد (51 عاماً)، وهو مزارع في بلدة الزيارة بمنطقة سهل الغاب، أقصى الريف الشمالي الغربي لحماة الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة، هذا العام، عن زراعة المحاصيل الصيفية بسبب استمرار عمليات القصف، إذ أن المحاصيل تحتاج لعناية مستمرة بها، وهو أمر يجد فيه المزارع خطراً على حياته.

ومنذ أشهر، تشهد مناطق بريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب تصعيداً وقصفاً متبادلاً بين القوات الحكومية بدعم من روسيا وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم منذ الخامس من آذار/مارس عام 2020.

ويأتي التصعيد العسكري في إدلب بالتزامن مع حديث عن نية الحكومة بمساندة روسية شن عمل عسكري في جبل الزاوية وسهل الغاب، وسط انتشار عشرات النقاط التركية في المنطقة.

ويحدث ذلك في ظل غياب الموقف التركي من التصعيد العسكري وهو ما يولد  لدى السكان شكوكاً في نواياها، ومخاوف من تسليم المنطقة للقوات الحكومية، كما جرى سابقاً في شمال حماة و جنوب شرق إدلب.

وتعتبر منطقة سهل الغاب من أشهر المناطق الصالحة للزراعة نظراً لوفرة المياه فيها وخصوبة تربتها واعتماد معظم سكانه على الزراعة كمصدر دخلٍ وحيد.

 إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تراجعاً “كبيراً” في الزراعة بسبب سوء الأوضاع الأمنية في المنطقة وقرب الأراضي الزراعية من الجبهات.

عزوف عن الزراعة

وتعد المنطقة من آخر المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة جنوباً، وذلك بعد سيطرة القوات الحكومية وبدعم من روسيا على ريف حماة الشمالي وعلى أجزاء واسعة من منطقة سهل الغاب منتصف العام 2019 ومطلع العام 2021.

التصعيد المستمر أدى لعزوف مزارعين عن عملهم والنزوح إلى مناطق أخرى، لا سيما خلال الأشهر القليلة الماضية.

 تصعيد

وقال “العبيد” أن أكثر من 90 بالمئة من المزارعين في سهل الغاب باتوا مؤخراً يزرعون المواسم الشتوية فقط مثل القمح والشعير وحبة البركة والكمون وغيرها من الحبوب، “وهي محاصيل لا تحتاج إلى ري أو رعاية مستمرة مثل الصيفية.”

كما أن قسماً من المزارعين الذين لم يتمكنوا من زراعة أراضيهم ، انتقلوا إلى مهن أخرى أو الخروج إلى الأراضي التركية للعمل هناك، فيما يقوم البعض بتأجيرها “بأسعار رخيصة” لمدة عام أو أكثر.

أسباب أخرى

ورأى أنس أبو طربوش، وهو مهندس في سهل الغاب، أن عزوف مزارعين عن الزراعة له آثار سلبية كبيرة، أولها على دخل المزارع وثانياً على المنطقة، إذ أن 95 بالمئة من سكان المنطقة يعتمدون على الزراعة، بحسب قوله.

وأرجع “طربوش” ومزارعون عزوفهم عن الزراعات الصيفية، إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة من بذور وأسمدة ومبيدات، بالإضافة إلى تكلفة الري المعتمدة على مادة الديزل والتي تشهد بين الفينة والأخرى ارتفاعاً بأسعارها، ذلك إلى جانب استمرار عمليات القصف.

ويعد الانتقال من الري على مادة الديزل إلى استخدام الطاقة الشمسية أو الطاقة البديلة، خياراً صعباً في الوقت الراهن في منطقة سهل الغاب في ظل استمرار عمليات القصف، فضلاً عن التكلفة العالية لها والتي قد تتجاوز عشرة آلاف دولار أميركي، وهو ما يعجز عنه الكثير من المزارعين.

وتعرض سهيل الناصر (48 عاماً)، وهو مزارع في سهل الغاب، لخسائر قال إنها كانت “كبيرة”، ولأسباب أرجعها إلى تدني أسعارها مقابل ارتفاع تكاليف الإنتاج.

 وقال “الناصر” إن سعر الكيلوغرام من الخيار وصل مؤخراً إلى ما دون الليرة تركية (250 ليرة سورية)، و بالمقابل كانت تكلفة الإنتاج “عالية جداً” لا سيما أسعار المحروقات و الأدوية، بالإضافة إلى أجور الأيدي العاملة.

وتستورد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) المشتقات النفطية من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي من خلال شركة “وتد للبترول” التابعة لها والتي تحتكر سوق المحروقات في مناطق شمال غربي سوريا بشكلٍ كامل وتتحكم بأسعارها.

وترفع “وتد للبترول” أسعار المشتقات النفطية بشكل مستمر، وتتذرع بأن الارتفاع يأتي نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.

ويصل سعر الليتر الواحد من المازوت المستورد نوع أول إلى 6.52 ليرة تركية (2500 ليرة سورية)، فيما يصل سعر ليتر المازوت المستورد نوع ثاني إلى 5.68 ليرة تركية (2100 ليرة سورية) وذلك وفقاً لنشرة الأسعار الرسمية التي أصدرتها شركة “وتد للبترول” المحتكرة لسوق المحروقات في شمال غربي سوريا يوم أمس الأربعاء.

 وأضاف “الناصر” الذي لا ينوي زراعة المحاصيل الصيفية الموسم القادم: “طلعنا بآخر الموسم بخسارة ولم نستفد بشيء نهائياً.”

 إعداد: براء الشامي – تحرير: سوزدار محمد