الثلاثي جبريل.. “جبهة مشتركة” صنعتها مخابرات دمشق للدفاع عن سلطة الأسدين

دمشق – نورث برس

بعد نحو ثلاثة أسابيع على وفاة شقيقها أحمد جبريل، توفيت يوم الجمعة الفائت في دمشق، فايزة جبريل المعروفة بـ”الآنسة أم باسل”.

ويبدو أن نسبة كبيرة من السوريين تفاجأوا بعلاقة الدم التي تربط “الآنسة” فايزة جبريل، إحدى مؤسّسات جمعية “القبيسيّات” المقربة من السلطة، بأحمد جبريل، قائد الجبهة الشعبية  لتحرير فلسطين – القيادة العامّة، التي تأتمر هي الأخرى بأوامر دمشق طبقاً لخبراء وتقارير عديدة.

وتكشّف الأمر فقط حين تم نعي فايزة (86 عاماً) من قبل بعض أفراد أسرتها الذين نشروا خبر وفاتها على صفحاتهم في “فيسبوك”، ليتكشف أيضاً أن شقيقة جبريل الأخرى، واسمها أميرة، هي مؤسسة جماعة القبيسيّات في كل من الكويت “بنات البيادر” ولبنان “السحريّات”.

ويقول خبير في شؤون الجماعات الإسلامية، تحفّظ على ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، خاصة أنه يعيش في منطقة تسيطر عليها حكومة دمشق: “من يعرف نظام الأسدين (الأب والابن) يعرف أنه لا يترك شيئاً للصدفة.”

ويضيف: “فعلاقة القربى من الدرجة الأولى التي تربط أحمد جبريل، مع فايزة وسحر جبريل المؤسستان في جماعة القبيسيات لا يمكن أن تكون محض صدفة.”

ويمثل أحمد جبريل ورقة لصالح نظام دمشق على الصعيد السياسي والعسكري والأمني في الداخل السوري وعبر الحدود إلى لبنان وفلسطين “المحتلة”.

بينما تمثل فايزة وسحر جبريل المؤسستان في جماعة القبيسيات، دعماً كبيراً للسلطة داخل البنية الاجتماعية السنية في دمشق وحمص بشكل خاص، وفي لبنان والأردن والكويت خارج الحدود، هذه العلاقة لا يمكن أن تكون محض صدفة.”

ومن هنا، يرى الخبير في حديث لنورث برس أن “الأسد الأب” نجح في عقد تحالفات قوية وثابتة مع قوى فاعلة ومؤثرة على الساحة السورية الداخلية، وامتد نفوذها وتأثيرها إلى خارج البلاد، بإيعاز أو دعم منه ومن مخابراته، “كما هو الحال مع أحمد جبريل الذي بقي وفياً للأسد الأب ومن بعده للابن حتى لحظة وفاته قبل حوالي شهر في العاصمة السورية.”

وبالمثل، يقول الخبير: “استطاع حافظ الأسد إيجاد قوة مؤثرة على الساحة السنية في دمشق وحمص بشكل خاص، بعد حربه الدموية مع الإخوان المسلمين في بداية الثمانينات من العقد الماضي، هذه القوة الناعمة.”

ولكن الفعالة، استطاعت خلال زمن وجيز أن “تمتص الغضب السني الذي أعقب مجازر حماة، وهيّأت الأرضية لعلاقة مديدة بين السلطة والبيئة السنية الدمشقية بشكل خاص.”

نشأة القبيسيات

تأسست الجماعة في أواخر السبعينات من القرن الماضي، وهو الوقت الذي شهد الاشتباك المسلح بين السلطة السورية وجماعة الإخوان المسلمين.

وبحسب المراجع القليلة عن هذه الجماعة، تعود تسميتها إلى شيخة الجماعة منيرة القبيسي (1933) والتي كانت مدرّسة لمادة البيولوجيا في مدارس دمشق في الستينات، ثم نالت شهادة من كلية الشريعة ومارست الدعوة وجذبت إليها الكثير من الفتيات.

 وكانت منيرة القبيسي من تلميذات مفتي الجمهورية السابق الشيخ أحمد كفتارو (ذو الميول الصوفية البحتة والنقشبندية تحديداً)، فتتلمذت على يديه مدة طويلة.

وتذكر المراجع أيضاً أن الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي كان مؤثراً فيها وبدعوتها، فالمفتي قدم لها الدعم، والبوطي قدم النصائح الفكرية والدينية.

ومع ذلك كانت “القبيسي على درجة من الذكاء”، إذ اقتربت من كل الجماعات الإسلامية الدعوية في سوريا مثل معهد الفتح وجماعة زيد وجماعة بدر الدين الحسني، ما زاد من نفوذها لدرجة أن أغلب زوجات الشيوخ السوريين المعروفين هنَّ من القبيسيات، أو لهن علاقة جيدة بآنساتها.

وعلى صعيد المجتمع، أخذت الجماعات الإسلامية الصوفية ومُريدوها، بالتحرك بكامل حريتهن معززين بدعم حكومي، ومناصب في السلطة، ونشرٍ لمؤلفاتهم على نطاق واسع، والتي تمنع الخروج على الحاكم وإن كان ظالماً، و”هنا مربط الفرس في العلاقة القوية والاحتضان الذي حظيت به الجماعة من قبل حكومة دمشق”، كما يقول الخبير.

ويذكر الخبير أنه “في دمشق على وجه التحديد، أخذت بعض المدارس الخاصة التي تسيطر عليها هذه الجماعة بالظهور والانتشار، والتي كان هدفها الحد من انتشار حركات الإسلام السياسي، والسيطرة على المجتمع، من خلال تقديم الدين كَحَلٍّ منعزل عن أي جوانب سياسية، وتصوير الدين على أنه مجموعة من الفرائض والعبادات، وبعبارة أخرى كمتنفس للسوريين المتدينين ليمارسوا عقائدهم وعباداتهم بعيداً عن أي تدخل في الأمور السياسية للبلاد.”

الجماعة من الداخل

للقبيسيات هيكلية وتراتبية، إذ يعتبر لقب “آنسة” أو “حجة” رتبة عليا في الجماعة، ولا تناله أي فتاة بل بحسب العمر والأقدمية والمستوى العلمي والديني.

وتقتصر الجماعة ظاهرياً على الدعوة والأذكار وتعليم قراءة القرآن وحفظه وجلْب أكبر عدد ممكن من الفتيات إلى الوسط الديني مع عدم إغفال الدراسة أو الحياة المجتمعية الراقية أو المخملية، وفقاً لمراجع وتقارير إعلامية.

والجماعة هي حضن للعائلات الغنية وذات الدخل الكبير مقارنة مع سواها، كما يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية.

ويضيف: “استطاعت الشخصية الكاريزمية لمنيرة القبيسي ومن حولها أن تنشئ تنظيماً بالمعنى الحقيقي بشكل هرمي دقيق جداً وتراتبي يكتنفه الغموض.”

ومن أشهر الآنسات في الصفوف الأولى شقيقتا أحمد جبريل “أميرة” التي لها دور ريادي في انتقال الجماعة للعالمية، و”فايزة” التي نشطت إلى جانب منيرة القبيسي في الداخل، وخير جحا، ومنى قويدر، ونهيدة طرقجي، وفائزة طباع، وفاطمة خباز، ونبيلة الكزبري، ورجاء تسابحجي وغيرهن.

وتُعرف فتياتهن من اللباس شبه الموحد عن طريق “الإشارب” الكحلي اللون أو الأبيض وذلك بحسب درجة الآنسة، ولا يخلو الأمر من ارتداء بعضهن النقاب، إضافة للباس الشامي المشهور “المانطو”.

ويشير الخبير إلى أنه “في دمشق وحدها (مقر الجماعة) هناك نحو 40 مدرسة تابعة للشيخة منيرة القبيسي، من أصل نحو 80 مدرسة تنتشر في جميع الأحياء الدمشقية، تدور في فلكها أكثر من 75 ألف امرأة ومربية لآلاف الأُسَر (تقديرات تعود للعام 2006).

منفعة متبادلة

بعد اندلاع الاحتجاجات ضد حكم “الأسد” في البلاد وتحولها لاحقاً إلى حرب مدمرة، أظهرت هذه الحركة ولاءاً منقطع النظير للسلطة الحاكمة، وأعطيت مقابل ذلك العديد من الامتيازات من بينها حرية العمل ضمن فئات الأطفال والمراهقات والشابات، حيث قامت منتسباتها و”آنساتها” بتأسيس المدارس الخاصة بهن لاحتواء الفتيات على طريقتهن.

كما عملن في مجال التدريس، مما يعطيهن مجالاً لنشر هذه الدعوة في صفوف فتيات المدارس الحكومية المتوسطة والثانوية، وباتت وزارة التربية مكاناً لأكبر تجمع من المنتسبات إلى الجماعة القبيسية.

ويرى الخبير في الجماعات الإسلامية أن نفوذ الجماعة زاد بشكل كبير بعد عام 2011، “من بين أحد أهم أهداف السلطة من وراء احتواء القبيسيات، تغيير المجتمع من الداخل، حيث تعتمد الجماعة على العنصر النسائي في دعوتها، وبالتالي هي تتوجه إلى مركز الأسرة، لتشكيل حالة إسلامية خاصة لها فلسفتها وقيمها الخاصة.”

ومن المنافع الأخرى منع انتشار الحركات الراديكالية التي تشكل تهديداً للسلطة، كالإخوان المسلمين وغيرها، وفقاً للخبير.

وفي المقابل “فإن الجماعة تحصد العديد من المنافع بتقربها من السلطات، حيث تستفيد إدارياً ومادياً من الحكومة، وتجد تساهلاً منها في ترخيص المدارس والمؤسسات والجمعيات التابعة لها، والأهم من ذلك أن قربها من السلطة يقصي الجماعات المنافسة.” على حد تعبير الخبير في الجماعات الإسلامية.

واستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، وفوداً من منتسبات الجماعة إما لوحدهن كما حصل في كانون الثاني/ يناير من العام 2012، حيث تناول اللقاء الدعوة الإسلامية وآفاقها “المشرقة” في سوريا كما ذكرت الصحافة المحلية آنذاك.

كما استقبل الأسد في الخامس عشر من شباط/فبراير 2017، داعيات الجماعة ضمن وفد “الفريق الديني الشبابي” المؤلف من خطباء وأئمة وداعيات من كافة المحافظات السورية، كما ذكرت صفحة رئاسة الجمهورية عبر  صفحتها على “فيسبوك”.

وقال الأسد خلال اللقاء إن من أهم الأشياء التي يجب أن ينهض فيها الفريق الديني هي إعادة صياغة المصطلحات وتصحيح المفاهيم المغلوطة بهدف نشر الدين الصحيح في مواجهة التطرف.

ودعا الأسد الفريق الديني إلى امتلاك أدوات الحوار واستخدام منهج التحليل والاستنتاج بهدف تكريس خطاب متوازن يكون بعيداً عن السطحية في طرحه للقضايا الدينية، وفقاً لصفحة رئاسة الجمهورية.

إعداد وتحرير: رافي طعمة