حرمان وإيذاء نفسي لأطفال يعملون في حماة وسط التدهور المعيشي

حماة– نورث برس

 بيديه النحيلتين، يحاول ورد الثاير(14 عاماً)، وهو اسم مستعار لطفل في حماة وسط سوريا، فك قطعة معطلة من سيارةٍ تقف أمام ورشة ميكانيك يعمل بها في المنطقة الصناعية بالمدينة، بينما يتصبب العرق من جبينه. 

ويعمل “الثاير” في الورشة الخاصة بتصليح السيارات والآلات منذ عامين، رغم أن هذا العمل “متعب جداً خاصة في الصيف، لكنني مجبر على التحمل.”

وينتشر في الأسواق وعند إشارات المرور وفي الأماكن المزدحمة، إلى جانب المنطقة الصناعية في مدينة حماة، أطفال يمارسون أعمالاً مختلفة خطرة وشاقة.

وأجبر الوضع المعيشي المتردي للسكان، الكثير من عائلات المدينة الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، على إرسال أطفالها للعمل في هذه المهن.

وتقول مختصة في الإرشاد النفسي بحماة إن عدداً من الأمهات يراجعونها يومياً، ويشتكين من سوء تصرف أطفالهن واضطرابات في شخصياتهم.

وتضيف أنها وزملاء لها رصدوا هؤلاء الأطفال ولاحظوا أنهم يعملون لساعات طويلة، ويعودون للمنزل منهكين، ما يسبب لهم الاضطراب على إثر ما حصل معهم من إيذاء نفسي، نتيجة الصراخ عليهم والجهد الذي يبذلونه خلال العمل.

مخاطر وحرمان

ويضطر “الثاير”  لتحمل مخاطر المهنة “الصعبة” كون عائلته بحاجة إلى المال الذي يجنيه من عمله، بحسب قوله.

وأصيب الولد عدة مرات خلال مدة عمله، في إحداها وقعت قطعة ثقيلة من محرك سيارة كان يحاول فكه على ساقه فأصيب بكسور.

ويأمل الطفل أن يجد عملاً أسهل من عمله الحالي وبأجر أفضل، ليتمكن من إكمال دراسته التي يقول إنه سوف يتركها إذا استمر بالعمل في هذه المهنة، “لأنها متعبة جداً.”

وكان قبيل العطلة الصيفية، يذهب إلى العمل أيام العطل المدرسية، أما في أيام الدوام المدرسي فكان يعمل بعد عودته من المدرسة.

يقول إنه يحلم بالهجرة إلى بلاد يتمكن فيها “من العيش كباقي الأطفال” دون أن يضطر للعمل.

وعامر الحلبي (16عاما)، هو اسم مستعار لطفل آخر يعمل في جمع البلاستيك والكرتون من الشوارع والحاويات ويبيعها، لتأمين أجرة المنزل الذي يسكنه مع عائلته.

يقول لنورث برس إن والده توفي منذ بداية الأحداث في سوريا، ولم يبق لهم من معيل لوالدته  وإخوته الصغار، إلا هو وأخوه الذي يكبره بعامين.

ويضيف: “قمنا بترك المدرسة والبدء بالعمل لتأمين المال، لكي لا نحتاج أحداً.”

 ويشير “الحلبي” إلى أنه كان مجبراً على ترك المدرسة،” كونها لا تؤمن لنا طعاماً أو شراباً.”

ويرغب الفتى في العودة للمدرسة وأن يكمل تعليمه، “ولكن الدراسة تحتاج مصاريف كبيرة لا تقدر عائلته على تحملها”. بحسب “الحلبي”

وتقول صبحية الملك (48 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة تعيش في حماة، إن الوضع المعيشي، بات يتطلب عمل كافة أفراد العائلة من أجل الاستمرار بالحياة، “فعمل شخص واحد في المنزل لم يعد يكفي”.

 بهذا تعلل المرأة إرسال ولديها الاثنين ( أكبرهما يبلغ 17عاماً، والآخر دون الـ13) للعمل على بسطات لبيع الألبسة في أحد الأسواق، من أجل تأمين مصروفهم، “كون والدهم يعاني من مرض مزمن ولا يستطيع العمل.”

 وتضيف لنورث برس أن وضعهم المعيشي السيء أجبرها على إرسال ولديها إلى العمل مبكراً، بالرغم من كونهم أطفال.

وترجو المرأة أن تتحسن أحوالهم “بطريقة ما”، ليتمكن أطفالها من العودة إلى صفوف المدرسة واللعب.

آثار جسدية ونفسية

وقال صلاح الرواس وهو اسم مستعار لطبيب عظمية، إنه عالج يومياً أطفالاً كثيرين مصابين بآلام عظمية وانحناءات في العمود الفقري وكسور في الأطراف.

 وأضاف أن نسبة منهم أصيبوا بذلك “خلال عملهم في المهن التي تتطلب جهداً كبيراً، إلى جانب قلة التغذية في التأثير على نموهم الجسدي السليم.”

 وتتراوح أعمار الأطفال المراجعين، بحسب الطبيب، بين 10 أعوام و18عاماً، وغالبيتهم من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

وأضاف الطبيب أن عمل الأطفال في سن مبكرة يعرضهم لأمراض عظمية مزمنة، قد لا يزول أثرها عن أجسادهم طوال حياتهم.

 وإلى جانب الأمراض الجسدية، تتسبب عمالة الأطفال في ترك آثار نفسية عميقة لديهم، بسبب حرمانهم من الكثير من حقوقهم .

وقالت عبير سنقر، وهي أخصائية في الإرشاد النفسي، إن ظاهرة أمية الأطفال وعدم معرفتهم للكتابة والقراءة انتشرت بشكل ملحوظ بسبب التسرب من المدارس، “ناهيك عن اكتسابهم للعادات السيئة كالتدخين والإدمان على المخدرات، والتي باتت تهدد المجتمع. “

وأضافت أن الأطفال باتوا يجدون أنفسهم في أعمال لا تتناسب مع أعمارهم ولا حتى قدراتهم،  “ما قد يؤدي إلى اضطراب في شخصية الطفل واكتسابهم للعادات السيئة.”

بالإضافة لمشاكل نفسية كبيرة قد تصل حد الاكتئاب، حيث يتعرض غالبية الأطفال الذين يعملون في أعمال شاقة إلى التنمر والفسوة من قبل أصحاب الأعمال.

إعداد: علا محمد – تحرير: حسن عبدالله