عائلات ووجهاء في السويداء مقصد لتحصيل الحقوق وسط فقدان الثقة بالقضاء الحكومي

السويداء- نورث برس

لجأ مسعود متعب (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان مدينة السويداء، جنوبي سوريا، بعد استنفاذ كامل الفرص القانونية والقضائية، إلى عائلته لإخراج محال مسبقة الصنع (أكشاك) لبيع السجائر والمشروبات وضعت في فترات سابقة على طول أرضه المحاذية للطريق المحوري في المدينة.

وكان الابن البكر لـ”متعب” قد تشاجر مع أصحاب تلك المحال حين طلب منهم ترحيلها، “حصل عراك بالأيدي تعرض فيها إلى كدمات في وجهه وتم تحرير ضبط في قسم الشرطة بالمدينة في حزيران/ يونيو الماضي”، على حد قول الوالد “متعب”.

يقول الرجل الخمسيني، لنورث برس، إنه فشل في إزالة تلك الأكشاك بالتفاهم مع أصحابها أو عن طريق القانون، إذ أنه لم يحصل على مذكرة قضائية تقضي بنقلها.

وتوجه عدد من أفراد العائلة إلى أصحاب تلك الأكشاك ووجهوا تهديدات في حال لم يتم الإخلاء خلال ٤٨ ساعة، ما دفع مالكي المحال إلى نقل محالهم إلى أرصفة حكومية جانب المركز الثقافي بالسويداء.

ويلجأ أشخاص في السويداء إلى عائلاتهم أو وجهاء دروز معروفة لعقد مصالحات أو للمطالبة بحقوقهم، بينما يعتمد آخرون على مسلحين أو تهديد الطرف الآخر في ظل غياب دور فاعل للقانون والمؤسسات القضائية الحكومية.

ويرى هؤلاء أن تنامي “الفساد” الحكومي من الناحيتين الإدارية والمالية وتخلي حكومة دمشق في معالجة المسائل الأمنية والاقتصادية وغياب دور القضاء، عوامل ساهمت في الانكفاء إلى عباءة العائلة والمضافة للبت في قرارات وخلافات.

أساليب “غير شرعية”

لكن رأفت رحمون، وهو اسم مستعار لمحام يعمل في قصر العدل بمدينة السويداء، يرى في لجوء السكان لتحصيل حقوقهم عن طريق الوجهاء والعائلات الكبرى، “طرقاً غير قانونية وغير شرعية.”

ويقول إن الفلتان الأمني وفوضى السلاح جعل “القضاء مغيباً وغير قادر على فرض هيبته بالقانون.”

ومنذ ثلاث سنوات، بلغ عدد الضبوط القضائية المتعلقة بإحالات شرطية مقدمة من قبل سكان “سلبت” أرزاقهم أو واجهوا تعديات عقارية من قبل أصحاب “الأكشاك” غير المرخص بها، إلى جانب بلاغات بالخطف والقتل ١٥٦ ملفاً قضائياً، بحسب المحامي.

لكن “رحمون” نفسه قال إن 30 من المختطفين بدواعي الفدى المالية من أصل 38 حالة، عادوا إلى عائلاتهم بعد تفاوض عائلات درزية مع الخاطفين وتخفيض قيمة تلك الفدى،” دون أي دور للجهات المختصة في ذلك.”

إضافة إلى 70 ملفاً قضائياً متعلقاً بالنشل والسرقة و٤٥ ملفاً قضائياً للحوادث المرورية، بعد فرار سائقين لا يملكون رخصاً وثبوتيات وارتكبوا حوادث دهس بحق سكان، و 21 حالة قتل لم يتم كشف جناتها، وفقاً للمحامي.

ويرى رشاد حيدر (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لقاض في السويداء ومسؤول حكومي سابق في قصر العدل، أن تقصير القضاء في تطبيق القانون وغياب الأدوات التنفيذية القضائية المختصة جعل هيبة القضاء تسقط في عيون السكان.

وشدد على أهمية التمسك بالقانون “رغم التشوهات القضائية الحاصلة والمتعلقة بمسائل فساد تطال بعض القضاة.”

 معدلات مرتفعة للجريمة

وأشار القاضي “حيدر” إلى أن الجرائم بمختلف درجاتها وتوصيفاتها القانونية قد ارتفعت بمعدلات عالية منذ عشرة سنوات خلت في السويداء.

وقبل 2011، لم تتجاوز معدلات ارتكاب الجنح والجنايات وما يتفرع منهما في السويداء ١.٥ ٪  ، بحسب “حيدر”.

فيما وصلت معدلات ارتكاب الجريمة في السويداء العام الماضي إلى ١٣ ٪ وتعتبر “عالية جداً في مجتمع تحكمه الأعراف المجتمعية والعادات والتقاليد المجتمعية الصارمة”، بحسب “حيدر”.

وقال محمود العابد (56 عاماً)، وهو اسم مستعار لمزارع في السويداء، إنه اضطر للاستعانة بعدد من أفراد عائلته وأبناء عمومته لاسترجاع موسمه “المسروق” من أشجار الدراق.

وقام عدد من شبان عائلته وأولاد عمومته باقتحام منزل شاب، كان “العابد” قد تعرف عليه أثناء عملية السرقة.

 “اعترف السارق وتحت قوة  التهديد بمشاركته في السرقة وأرشدنا إلى أحد برادات الفواكه والتي وضعت بها ثمانية أطنان من الدراق الذي تم سرقته.”

وأشار “العابد” إلى أنه لجأ إلى هذه الطريقة رغم معرفته أنها “غير قانونية”، بعدما “فقدت الأمل من تمكن الشرطة من القبض على السارقين.”

وأضاف أنه كان شاهداً على سرقة محصوله، لكن “اللصوص”  قاموا باحتجازه في الأرض وتقييده على أحد جذوع الأشجار، “ولاذوا بالفرار بسيارات محملة بالمحصول”، ليقوم جاره في الأرض بفك وثاقه بعد مضي ثلاث ساعات على الحادثة.

وتوجه المزارع إلى قسم شرطة المدينة وتم كتابة ضبط شرطة وتم إحالته إلى القضاء المختص في قصر العدل، ورغم تأكيده بأنه تعرف على أحد السارقين وزود قسم شرطة المدينة بأرقام إحدى لوحات السيارات،  “إلا أنهم طلبوا أدلة دامغة وأحالوا الملف ثانية إلى مديرية فرع الأمن الجنائي بالسويداء لاستكمال التحقيق.”

وأعلمت المديرية “محمود” أن هناك مئات السرقات مقيدة ضد مجهول وعليه الانتظار حتى يتم الكشف عن الجناة، قبل أن يلجأ لطريقة خارج القانون لاسترداد ثماره.

إعداد: سامي العلي – تحرير: سوزدار محمد