“الأوضة” في الرقة.. واقع معاش لم تمحه أساليب التمدن والتحضر

الرقة – نورث برس

تتميز مدينة الرقة بتنوع كبير للعشائر في الريف والمدينة، ويعرف لدى كل عشيرة من العشائر شخصاً يقتدون به، ويأخذون النصائح منه بعين الاعتبار، وغالباً ما يسمى شيخ أو وجيه، وتعود التسمية لكل عشيرة على حِدى.

يعرف لدى كل شيخ عشيرة أو وجيه بوجود مجلس يسمى “أوضة”. وتعتبر الأوضة ملتقى يومي يتواجد فيها عشرات الأشخاص المتحاورين والمتحابين، ويتم فيها تبادل الأحاديث، وتقوية الروابط الاجتماعية، وحل الخلافات والمشاكل التي تحدث بين العشائر.

يقول “رمضان الرحال” شيخ عشيرة العلي، قبيلة الولدة، أن للأوضة في المجتمع العشائري، شمال شرقي سوريا على وجه الخصوص، دورها، وأهميتها الكبيرة، حيث تجتمع فيها العشائر كافة، ويتباحثون في أمور الحرب والسلم، ومناقشة كل ما يخص المنطقة من قضايا اجتماعية وسياسية.

تشكل الأوض

ففي بداية القرن العشرين بدأت مدينة الرقة تتشكل من مجموعة من العائلات العربية التي أتت من العراق وتركيا، فقام كبار هذه العائلات ببناء العديد من الأُوَض، أو ما تسمى بالمضافات.

وعن عادات الأوضة توزيع القهوة من اليمين إلى الشمال، وأحياناً يبدأ موزّعها بشربها، أو يبدأ الشيخ بشربها أوّلاً. أمّا بالنسبة للطعام فإن أهل البيت لا يتناولونه إلا بعد انتهاء الجميع، ويعتبرون ذلك تكريماً لمكانة الضيوف.

“الأوضة” هي من الغرف الأثرية الكبيرة والقديمة، والتي تعتبر ملتقى بين السكان حيث تتميز بمساحتها الواسعة والتي تتراوح ما بين 40 إلى 50 متر ويبلغ عرضها ما يقارب 12 متر بشكل تقريبي، وتكون ذات أبواب واسعة ترمز إلى الاستقبال والترحيب بالضيوف. ومفروشة بالسجاد والوسائد، ودلال القهوة العربية المُرة التي ترمز إلى كرم الضيافة.

وأضاف “الرحال”: “يعود تاريخ الأوضة إلى زمن الاحتلال العثماني، ويجري من خلالها اتخاذ القرار والاجماع على كلمة واحدة بين جميع العشائر.”

وبهذا يكون الدور السياسي للمضافة برز منذ أيام العثمانيين، والفرنسيين، حيث يتصل زعماء العشائر والقبائل فيما بينهم، ويعقدون ألوية الاتفاق لصد هجمات المحتل، حسب بعض مؤرخين الرقة.

وأشار “الرحال” إلى أنه “في الأوضة، ومن خلال شيوخ ووجهاء العشائر، يتم التوصل إلى حل القضايا والنزاعات بين سكان المنطقة مثل قضايا الدم، والثأر، والمصالحات في النزاعات والأراضي، حيث كان لها الدور الكبير في التخفيف عن المحاكم والقضاء كونه يتم من خلالها حل اغلب النزاعات بين العشائر.”

وحدث خلاف بين عشيرتين من الرقة، نتيجة النزاع على أرض زراعية، وحدثت مشاجرة بين الطرفين، ما أدى إلى حدوث إصابات، وتأزم الخلاف فيما بينهم.

وكان للأوضة والشيوخ فيها دورها الكبير في حل النزاع، وإبرام الصلح بين الطرفين، وذلك ضمن اتفاقيات، وبذلك لا يمكن الإخلال بها، وموافقة الطرفين المتنازعين عليها أمام الجميع.

زمن “داعش”

وأشار “الرحال” إلى أنه أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على المنطقة خرجت الأوضات عن أداء واجبها. حيث أراد التنظيم دثر وإخفاء هذا التراث، الذي يعتبر من التراث المتوارث منذ الأجداد. كما قام التنظيم بمحاولة جذب الشيوخ إلى صفهم، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل.

وأضاف “الرحال”: تعتبر الأوضة مكان تجمع عشائري يتم من خلاله اتخاذ القرارات، وعقد حوارات واجتماعات سياسية واجتماعية لتوحيد الصفوف بين عشائر المنطقة عبر شيوخها حيث تكون الرديفة الأولى للإدارة الذاتية.

ويذكر، أن للأوضة دور ديني وتربوي أيضاً، حيث كان تبنى باتجاه القبلة، وذلك قبل أنتشار المساجد وإعمارها. وكانت تقام صلاة العيد، وصلاة التراويح، وصلاة الجماعة في المضافة دون خطبة.

هذا، فإن للأوضة دورها الكبير في المجتمع العشائري، وتأثيرها على اتخاذ القرارات وعدم على الإخلال بها.

إعداد: عمار حيدرـ تحرير: نور حسن