إدلب – نورث برس
يستعين طلال الخليلو (41عاماً) وهو من سكان مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة كيفية التعامل مع طفلته البالغة من العمر عشرة أعوام والتي تعاني من طيف التوحد، في ظل عدم قدرته على تسجيلها في مركز خاص للعلاج.
ويشتكي”الخليلو” وذوو مرضى التوحد من عدم قدرتهم على تسجيل أطفالهم في المركز الخاص بعلاج المرض في إدلب، “لارتفاع أقساطه” والتي تصل إلى 35 دولاراً شهرياً، في ظل افتقار المنطقة لمراكز مجانية.
وتضم مدينة إدلب مركزاً واحداً فقط يقدم الدعم النفسي والعلاج الفيزيائي لمرضى التوحد، أما المصابين بحالة عصبية أو اختلاج عصبي فلا يتم استقبالهم لعدم وجود طبيب مختص، بحسب ذوي مرضى.
وقال “الخليلو” إن طفلته تتعرض لنوبات عصبية بشكل يومي تقريباً وتؤذي نفسها في بعض الأحيان من خلال ضرب رأسها بالجدران وتحتاج إلى عناية خاصة وإشراف من قبل متخصصين، “وهو ما لم أستطع توفيره بسبب ضعف الإمكانات المادية.”
وأشار إلى أنه لم يتمكن من السفر إلى تركيا لتوفير العلاج لابنته والتي بدأت أعراض المرض تظهر عليها في سن مبكر، “ولا أزال عاجزاً عن تأمين العلاج في ظل تردي الوضع المعيشي.”
وتُعرّف منظمة الصحة العالمية “التوحد(autism)” على أنه اضطراب في النمو اللغوي والسلوكي والانفعالي والتعبيري.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن شخصاً واحداً من كل 270 شخصاً يعاني من اضطرابات طيف التوحد. تمثل هذه التقديرات رقماً متوسطاً ويتفاوت معدل الانتشار بدرجة كبيرة بين الدراسات.
“لا رعاية كافية“
ومع ذلك، أفادت بعض الدراسات “المضبوطة جيداً”، بمعدلات أعلى بكثير. وما زال معدل انتشار اضطرابات طيف التوحد غير معروف في العديد من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، بحسب المنظمة.
ورغم تزايد أعداد المصابين به إلا أنه لايزال مجهولاً لنسبة كبيرة من السكان، كيفية التعامل مع المصابين به.
وقال محمد الشيخ أحمد (43عاماً) وهو اسم مستعار لطبيب مختص بالأمراض العصبية من مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، إن تأخر ملاحظة العائلة للأعراض التي تظهر على أطفالهم المصابين بالتوحد يسهم في تأخر العلاج وزيادة وضعهم سوءاً مع مرور الوقت.
ولدى الأطفال المصابين بالتوحد سلوكيات عدوانية وفرط نشاط. وتعيش معظم الحالات في عزلة تامة، ويصعب عليهم طلب احتياجاتهم ويعاني بعضهم من إعاقة ذهنية وصعوبة في النطق والاستيعاب.
وذكر الطبيب أن غالبية ذوي الاحتياجات الخاصة لا يحصلون على الرعاية الكافية المقدمة من القطاع الطبي “والذي بالكاد لديه إمكانية التعامل مع الحالات الحرجة المهددة للحياة”، في ظل التصعيد العسكري الحكومي.
ورأى أن الدور الأكبر في العلاج يقع على العائلة بعد ملاحظة أعراض التوحد لدى الطفل وتشخيصها من خلال تعديل سلوكه وتنمية قدراته العقلية والإدراكية والجسدية باتباع التمارين الدقيقة والبسيطة كتعليمه ضم الخرز والتمييز بين الألوان والأشكال، إلى جانب تمارين اللسان والشفاه لمساعدته على النطق.
تنمّر
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن المصابين بالتوحد يحتاجون إلى خدمات صحية ميسرة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية العامة على غرار باقي السكان، بما في ذلك خدمات تعزيز الصحة والوقاية وعلاج الأمراض الحادة والمزمنة.
غير أن معدلات عدم تلبية احتياجات الرعاية الصحية للمصابين بالتوحد أعلى من المعدلات المسجلة لدى عامة السكان، بحسب المنظمة.
ويكون المصابون بالتوحد أشد ضعفاً في حالات الطوارئ الإنسانية، وتمثل المعرفة غير الكافية بشأن التوحد والمفاهيم الخاطئة لدى مقدمي الرعاية الصحية عائقاً شائعاً.
ويرفض رضوان اليونس (9 أعوام) وهو نازح من معرة النعمان جنوبي إدلب إلى قرية كفريحمول بريف إدلب الشمالي، الاختلاط بالآخرين، وازدادت حالته سوءاً بعد النزوح ومغادرة منزله الذي كان قد اعتاد عليه.
ويعاني الطفل من تشتت الانتباه وبطء في اكتساب المعارف ويجد صعوبة كبيرة في التواصل مع الآخرين والتكيف مع المواقف وتطبيق ما تعلمه في الحياة اليومية.
وازدادت معاناة عائلته حين اضطر لترك المدرسة بسبب بطء التعلم والاستيعاب لديه، وتعرضه للتنمر والسخرية من قبل أقرانه وغياب المراكز التعليمية الخاصة بحالته في القرية التي يسكنها، وفقاً لما ذكرته والدته، جورية الحسين (33عاماً).
وأشارت الوالدة إلى أن طفلها يعاني من صعوبة في النطق، إلى جانب قيامه بتكرار بعض الحركات والالتزام الشديد بروتينه وحساسية مفرطة لبعض الأصوات والروائح.
وتشتكي الأم من “عدم قبول” المجتمع لطفلها وما يواجهه طفلها من تعليقات سلبية وتنمر، “الأمر الذي يضعني تحت ضغط نفسي طيلة الوقت.”