ضعف الإمكانات وقلة الأجور “يغرق” مدناً وأريافاً سورية بمخلفاتها

دمشق ـ نورث برس

يستعرض المهندس وعد العلي (40 عاماً) وهو اسم مستعار، الطريق الذي كان يسلكه من بيته إلى بيت جده في قرية أخرى بريف جبلة، وكيف أصبح مملوءً بأكياس القمامة والأوراق وكل أنواع الأوساخ المرمية في كل مكان.

ويتذكر كيف كان يجول في الكثير من القرى وهو صغير ويتمرجح على العشب الأخضر النظيف على جانبي الطرقات قبل أن تتصدى البلديات لمهمة ترحيل النفايات من القرى.

ويقول “العلي” لنورث برس، إنه بعد هذا التدخل أصبح السكان يجمعون نفاياتهم  لترحلها البلديات، وعندما عجزت البلديات عن فعل ذلك أصبحت أكياس القمامة في كل مكان، وتحولت الأنهار النظيفة والغابات والحارات إلى مكبات للقمامة.

تراكم القمامة في الأحياء والمدن والأرياف، لا يقتصر على محافظة محددة في سوريا، بل هذا الحال تتشارك فيه كل المدن السورية السياحية منها كاللاذقية كما الساخنة “إدلب ودرعا.”

من سيء لأسوأ

لم يكن أداء البلديات بأحسن حالاته في زمن السلم، ولكنه لا يقارن بالوضع الخدمي السيء الذي وصلت إليه الأمور أثناء الحرب.

ويقول رئيس بلدية في ريف جبلة فضل عدم ذكر اسمه  لنورث برس، إن عليه أن يخدم قرية تضاعف عدد سكانها عشرة أضعاف خلال الحرب بينما ما زالت مخصصاتها على عدد السكان الأصليين قبل الحرب.

وبذلك لا تتجاوز مخصصات الفرد للنظافة 300 ليرة سورية، وهذا الرقم يختلف بين بلدية وأخرى فهنالك مناطق يمكن أن تحصل على رقم أعلى من هذا، بحسب رئيس البلدية.

ولكن في العموم هنالك نقص كبير في كل شيء، من عدد العمال إلى الآليات والمحروقات، ففي القرية التي يرأس بلديتها يصل عدد سكانها إلى أكثر من 15 ألف نسمة، يوجد فيها عامل نظافة واحد.

ويقع على عاتق هذا العامل مهمة جمع كل القمامة الموجودة في القرية، والذهاب بها من ريف جبلة إلى مكب البصة في اللاذقية، وفي كثير من الأيام لا يكون هنالك محروقات لتحريك الجرار، كما أشار رئيس البلدية.

أجور وتعويضات قليلة

نقص الأجور والتعويضات تسبب بتراجع كبير في عدد العاملين بمهنة النظافة التي تعاني من نظرة اجتماعية دونية، ولذلك لا يستمر فيها أي شخص لديه بديل آخر. 

يقول عامل نظافة من حماة تواصلنا معه عبر تطبيق “واتس آب” لنورث برس، إن راتبه لا يتجاوز 16 ألف ليرة سورية، لأنه يعمل بعقد مؤقت مدته 3 أشهر.

وموظفو هذه العقود، لا يحصلون على أي حقوق، وقد شاع هذا النوع من العقود بعد توقيف المسابقات والتعيين في سوريا.

وتسبب هذا الأمر بنقص كبير في عدد العمال بمنطقة مصياف التابعة لحماة حيث يعمل في المدينة ثلاثة عمال فقط، بحسب عامل النظافة.

أما في السويداء فتشير المواد التي تنشر عن حالة النظافة في تلك المحافظة إلى أن الواقع غير جيد أيضاً، إذ أن الوحدات الإدارية في المحافظة تخدّم بنحو 600 عامل نظافة بينما المطلوب لا يقل عن 1000 عامل.

وتخدّم قرى في السويداء، كعرمان وعوس ومجدل الشور، بعامل نظافة واحد، وعلى هذا العامل أن يرحّل يومياً 4 أطنان نفايات للسكان البالغ عددهم 16 ألف نسمة، بحسب التقارير الصحفية.

عمال قلائل وآليات متهالكة

وقال رئيس مكتب نقابة عمال الدولة والبلديات، قصي كسادو، لأحد وسائل الإعلام المحلية، إن عدد عمال النظافة تناقص بنسبة وصلت إلى أكثر من 40% عما كان قبل الأزمة.

وأشار مدير النظافة في محافظة دمشق، عماد العلي، في أحد تصريحاته للإعلام المحلي، إلى أن عدد العمال وصل قبل الحرب إلى  نحو 5200 عامل، وانخفض إلى ما يقارب 2820 عاملاً خلال الحرب، وأن متوسط أعمار عمال مديرية النظافة حالياً لا يقل عن 46 عاماً.

وأعاد “كسادو” أسباب تراجع أعداد عمال النظافة “لقلة مردود هذه المهنة المتعبة سواء من حيث ضعف الراتب أو قلة التعويضات، إضافة إلى نقص أدوات العمل، وبدائيتها بشكل لا يساعد العامل في عمله.”

وشدد “العلي” على انخفاض جاهزية الآليات وتجاوز عمرها الـ35 عاماً، وأن نقص قطع التبديل حال دون  تحديث أسطول الآليات منذ بداية الحرب، إضافة لصعوبة الإصلاح في الأسواق المحلية. 

وسبق لوزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف، أن شدد أمام مجلس الشعب، على أنه تم تخصيص 708 آليات لقطاع النظافة من أصل 1100 آلية وصلت إلى سوريا كمنحة من الصين.

وأمام شروط العمل الصعبة طالبت نقابة البلديات في إحدى اجتماعاتها، بإصدار قرار يمنح عامل النظافة الحق مباشرة بتنظيم ضبط مخالفة لمن يرمي القمامة بشكل عشوائي أو في غير المكان المخصص لها.

وسخر بعض السكان من هذا الطلب، إذ أن هنالك الكثير من المناطق التي لا تتوافر فيها الحاويات، وأن التأخر في ترحيل القمامة يجعل تلال القمامة المحيطة بالحاوية أكبر بكثير مما هو في داخلها في معظم المناطق.

حال دمشق كغيرها

لا يختلف الحال في العاصمة دمشق عن غيرها من المدن، إذ تجد تلالاً من القمامة كيفما اتجهت وفي أغلبية الأحياء.

وفي إحدى تصريحات مدير النظافة في محافظة دمشق عماد العلي، شدد على أن عدد عمال النظافة تراجع من 6 آلاف عامل قبل الحرب إلى 3 آلاف، وفي وقت ارتفع فيه عدد سكان دمشق من 4 إلى10 ملايين نسمة.

وخفضت طبيعة العمل لعمال النظافة من 100% إلى 75% خلال سنوات الحرب، “قبل أن يعاد رفعها مطلع هذا العام إلى ما كانت عليه”، حتى أن من يعملون في النهار لا تتجاوز طبيعة عملهم 58% من الراتب المقطوع لعمال تصنف رواتبهم من ضمن الفئات الأقل.

وتخفيض طبيعة العمل، أثر كثيراً على العمل، خاصة أن راتب موظف في النظافة يعمل منذ نحو 20 عاماً لا يزيد كثيراً عن 40 ألف ليرة، وتعويضات الملابس لا تتجاوز 7500  ليرة، وهي غير كافية كما قال عمال تنظيفات.

وأضافوا: “ليس هذا كل شيء، بل إن التعويض الإضافي البالغ خمسة آلاف ليرة أصبحوا يتقاضونه كل 3 أشهر بعدما كان كل شهر.”

ويعتمد عمال النظافة لتحسين موارد عملهم على الاستفادة من النفايات التي يتم يمكن إعادة استثمارها كالبلاستيك والنايلون، والخبز وغيرها.

ولذلك يلجأ معظمهم إلى إعادة فتح أكياس القمامة وفحص محتوياتها غير عابئين بكورونا وغيرها من الأمراض.

وعند سؤال عامل النظافة في أحد أحياء المخالفات بدمشق والذي اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ”أبو أحمد”، عن سبب تعريض أنفسهم لكل هذا الكم من الأوساخ وتفتيشها في منطقة قلما يجدون في نفاياتها ما يمكن استثماره، قال: “غير هيك ما بتوفي معنا.”

إعداد: ريتا علي- تحرير: محمد القاضي