مفقودون في حلب .. ملف منسي ومصير مجهول

حلب- نورث برس

ثمان سنوات مرت على غياب علي أحمد السعيد (38 عاماً) عن منزل ذويه في حي الصالحين في مدينة حلب شمالي سوريا.

“السعيد” الذي كان يعمل سائقاً لشاحنة نقل البضائع، انقطعت أخباره منذ توجهه من حلب إلى مدينة سراقب بريف إدلب شمال غربي سوريا في تموز/ يوليو 2012.

وكحال معظم أسر المفقودين، لم يستطع ذووه معرفة أي معلومة عن مصيره ومكانه، وإذا ما كان لا يزال على قيد الحياة أم لا، بالرغم من كل الجهود التي بذلوها في البحث والاستفسار.

ويقدر تقرير للأمم المتحدة لعام 2021، أن 100 ألف شخص هم في عداد المفقودين بسبب الصراع السوري وتستمر الأعداد في الارتفاع.

وتدعو اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP) إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية للعثور على الأشخاص المفقودين وتأمين الحقوق الإنسانية لعائلاتهم، إذ تشكل “قضية المفقودين في سوريا تحدياً دولياً.”

وقالت المديرة العامة للجنة كاثرين بومبرغر في آذار/ مارس الماضي: “يتطلب العثور على الأشخاص المفقودين بسبب الصراع السوري جهوداً منسقة طويلة الأمد.”

 وأضافت: “هناك حاجة لاتخاذ تدابير فورية الآن، بينما لا يزال الصراع مستعراً، وكذلك جهوداً موازية لبناء عملية مستدامة لسوريا ما بعد الصراع.”

وتشمل الإجراءات المطلوبة إنشاء نظام بيانات مركزي محايد يحتوي على بيانات عن الأشخاص المفقودين بحيث يتم جمعها من عائلاتهم ومعلومات عن مواقع المقابر الجماعية والمواقع السرية، وفقاً لـ “بومبرغر”.

جهات اختطاف مجهولة

ومؤخراً أطلقت اللجنة حملة جديدة “في ظل غيابهم.. بلّغ عن الأشخاص المفقودين”، لتشجيع السوريين على الإبلاغ عن المفقودين.

وتتضمن الحملة تقديم معلومات وبيانات عن الأشخاص المفقودين عبر مركز الاستفسار عن المفقودين (OIC) التابع للجنة، بالإضافة لتقديم عينات مرجعية وراثية هذا الصيف للمساعدة في تحديد مكان الأشخاص المفقودين.

وتسعى اللجنة الدولية لشؤون المفقودين للحصول على معلومات عبر التبليغ عن جميع الأشخاص المفقودين  والمختفين “بغض النظر عن خلفيتهم الطائفية أو القومية أو الجنسية أو الخلفية العرقية أو الدينية.”

وبغض النظر عن دورهم في النزاع أو الانتماء السياسي أو ظروف الاختفاء أو أي عامل آخر، بما في ذلك أولئك الذين يُعتقد أنهم على قيد الحياة وأولئك الذين يخشى مقتلهم.

وقالت زكية خطاب (66 عاماً)، وهي والدة “السعيد”: “لا يمر يوم لا أتذكر فيه ولدي، ذكراه تمتزج بدموعي وحسرتي على غيابه، كان معيلاً لي ولوالده، إضافة لعائلته المكونة من ولديه وزوجته.”

وأضافت: “لا ندري الجهة التي اختطفه وماهي دافعها ولا ندري هل هو على قيد الحياة أم لا، لم نعرف مصيره بالرغم من أننا تواصلنا مع جهات محسوبة على المعارضة المسلحة وجهات حكومية ولكن دون أي نتيجة.”

وأشارت الوالدة، في حديثها لنورث برس، إلى أن ولدها لم ينتمِ لأي جهة ولم يكن منحازاً لأي طرف، فكل همه كان لقمة العيش.

وبحسب منظمة حقوق الإنسان الأممية، “مات المئات في الاعتقال بسبب التعذيب أو سوء المعاملة، وأخفت الحكومة السورية الآلاف بشكل قسري؛ كما اختفى آخرون بعد اختطافهم على يَد جماعات مسلّحة معارضة للدولة أو على يَد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.

“لا تجاوب حكومي”

ومنذ عامين، أعلنت عائلة المفقود محمود الأبير، الحداد على ولدها واعتبرته بحكم المتوفى، بعد أن استنفذت كل الوسائل والسبل المتاحة للبحث عنه أو معرفة مصيره.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012، خرج “محمود” البالغ من العمر 26 عاماً من منطقة الشيخ نجار مساء بعد انتهاء عمله في معمل نسيج، قاصداً منزله في حي الحيدرية، ولم يعد إلى المنزل في موعده المعتاد.

ويقول شقيقه الأكبر أحمد الأبير(46 عاماً) الذي لا يزال يتذكر يوم فقدانه، إن أحد زملائه في العمل أخبرهم أن  عناصر من “لواء شهداء بدر”، قاموا باختطافه في منطقة الجندول شمال حلب.

وأخبرهم زميل العمل أن عناصر الفصيل اقتادوا “محمود” على حاجز لهم في الجندول بين الشيخ نجار والحيدرية وأنهم وجدوا على هاتفه صورة له بالزي العسكري وشعارات مساندة للحكومة، وهو ما نفاه الشقيق الأكبر، إذ أن “محمود” لم ينتسب لأي جهة عسكرية.

ويضيف الشقيق الأكبر أنهم حاولوا عبثاً إيجاد أثره، إذ تواصلوا مع الكثير من قادة وعناصر الفصيل، ولكن “دون جدوى”.

“قيل لنا أيضاً إنه تم تصفيته ورميه في أحد الآبار شرق بلدة حيان في ريف حلب الشمالي دون أن نعثر على دليل واحد أو أي أثر للبئر المذكور أو لجثمانه،  فاعتبرناه شهيداً وأقمنا له مأتماً وتعزية.”

لكن الوالدة ترفض فكرة أن “محمود” توفي ولا زالت تأمل عودته.

ويزيد الإبلاغ عن الشخص المفقود  من فرصة العثور عليه يوماً ما، على الرغم من عدم وجود ضمان لذلك، بحسب المديرة العامة للجنة الدولية لشؤون المفقودين.

ويحتوي مخزن البيانات المتنامية المحفوظ على خوادم (ICMP) الآمنة حتى الآن على أكثر من 18 ألف سجل عن السوريين المفقودين، قدمها أقاربهم أو جمعتها منظمات المجتمع المدني السورية بالشراكة مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين.

وقال أمير القربي، وهو محام وعضو سابق في لجان المصالحة الوطنية، إنهم كلجان مصالحة حاولوا العمل على حل هذه “المعضلة الإنسانية”، ولكن “للأسف لم نتلقَّ تجاوباَ حكومياً ولا حتى من طرف المعارضة المسلحة.”

وأضاف: “لم ننجح سوى بمعرفة مصير العشرات فقط، نعيب على الحكومة عدم جديتها في متابعة هذا الملف.”

إعداد: نجم الصالح- تحرير: سوزدار محمد