اللهجات السورية.. من الدرس اللغوي إلى الوحدة في التنوّع

القامشلي ـ نورث برس

يرى أحد الباحثين، أن “اللغة نظام اجتماعي.. خاضع لتأثير الزمان والمكان؛ فكم من الفرق بين اللغة التي يتكلّمها الأقدمون، واللغة التي يتكلّمها المعاصرون.”

أي، اللهجات، والتي تسمى، كذلك، العاميّة أو الدارجة، أو المحكيّة، أو في التخاطب اليومي، وتشير في عمومها إلى لهجات اللغة غير المعيارية، بخلاف الفصحى، حيث ظاهرة الازدواج اللغوي واضحة بين الناطقين بها، فتمثل الفصحى اللهجة العليا ذات المكانة العالية، وتمثل اللهجات المحلية اللهجة السفلى.

في سوريا، تشكل اللهجات لوحة بانورامية غنية بألوان متفاوتة ومتباينة من الوضوح المتبادل، والفروق الكبيرة في المفردات والصوتيات والقواعد.

وتصنّف اللهجات بحسب المناطق، وتختلف في منطقة معينة بحسب الموقع، وأسلوب الحياة، مدنية ـ قروية ـ بدوية، وبحسب الدين، العرق، والقبيلة.

ومن اللهجات السورية المستعملة في التخاطب اليومي بين معظم السوريين: (الشامية، والعراقية)، مع إمكانية تصنيفها إلى سلسلة عائلات فرعية حسب المناطق الجغرافية.

واللهجة السورية بشكل عام هي إحدى ثمار استعراب سوريا، وبشكل أساسي نتيجة تزواج من اللغة الآرامية – السريانية، منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد.

ومن الممكن تصنيف اللهجة السورية نفسها بسلسلة تصانيف فرعية حسب المناطق الجغرافية، إلى عدة عائلات فرعية، تتمايز عن بضعها البعض، كاللهجة الحلبية التي تتسم باللفظ المفخّم، أو من ناحية المفردات. والديرية، والرقاوية، أو الجزراوية، أو المحلّمية، أو الماردلية، وهي لهجة عربية متأثّرة بالكُرديّة تستخدم في منطقة الجزيرة الفراتية، والحسكة، والقامشلي. وكذلك في ماردين، وطور عبدين، وديار بكر. وتستخدم من قِبل الماردلية بلهجاتها الشمالية المختلفة.

أما اللهجات المنبثقة من اللغة الكردية، التي تنتمي إلى أسرة اللغات الهندو أوروبية، فهي كثيرة، أهمها، الكرمانجية الشمالية التي يستخدمها كرد سوريا، ومنها تتفرّع لهجات أخرى، تدل كل منها على منطقة محددة.

كذلك، فإن للغة السريانية لهجاتها المميزة، وطابعها الخاص على مر الأزمنة واختلاف الأمكنة. تستعمل حتى الوقت الحاضر في الكتابات الأدبية غير الدينية، وفي بعض الحياة الثقافية.

كما تستعمل السريانية التراثية (التقليدية) غالباً في النواحي الدينية والليتورجية.

مخطوطة سريانية قديمة

وتحتوي اللهجات المحكيّة على عدد كبير من الألفاظ والمفردات الدخيلة من اللغات الأخرى كالعربية والفارسية.

ويظهر تأثير اللهجات السورية بشكل واضح على الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وعلى أسماء بعض المأكولات، والمهن، والأدوات، وعلى الأزياء، والفن، والغناء، والرقص، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وعلى غيرها من الطقوس والعادات والمجالات الأخرى. إلى جانب استعمالها في التخاطب اليومي.

من الفلكلور السوري

نعود إلى القول إن سوريا تتميز برصيد كبير من اللهجات المتفرعة من اللغات الأصلية. وفيما يلي محاولة لمعرفة جانب آخر من اللهجات المحكيّة في سوريا.

ففي كتاب “موسوعة العاميّة السورية، جمع فيه المؤلف “ياسين عبد الرحيم”، الكلمات العاميّة الدارجة في سوريا، خاصة في منطقة الساحل السوري، مثبتاً لفظها ومبيناً معناها أو دلالته في أذهان العامة، ومحققاً أصلها ومن أين أتت وهل هي تحريف أو تصحيف للفظة عربية فصيحة، أو أنها من لغة سامية كالسريانية أو غيرها أو أنها من السامي المشترك، أو أنها دخيلة أعجمية؟

ومع أن جمع الألفاظ الدارجة وحصرها كافة أمر فوق طاقة كل مؤلف، لأن الكلمات كائنات حيّة تتوالد وتموت وتبعث من جديد، فإن مقارنة هذا المؤلف بأمثاله من المعاجم يعطي فكرة عن الجهد المبذول فيه.

على العموم، فإن الكتاب مهم من حيث الحجم وثراء المادة، ومن حيث مقارنته بمعاجم الألفاظ العاميّة الأخرى.

وإذا كانت دراسة العاميّة ذات شأن كبير في فهم مبادئ التطور النحوي والصرفي والفقهي للغة العربية الفصحى، وإن ذلك سيساعد في وضع معجم عصري فقهي تاريخي للغة العربية إلى آخر ما عدّوه مؤلفون كثيرون من فوائد، فإن هذا المعجم يسهم في خدمة الفصحى من وجوه عدّة: “فهو يبين ما اعترى اللفظة الفصيحة من تحريف أو تصحيف، ويرفعها بالدلالة على الأصل. وفي الأمرين معاً تقويم للسان وتعزيز للبيان.”

ومما لا شك فيه أن اللهجات المتولدة من اللغات تُعدُّ من المصادر الغنية والمفيدة لميدان الدرس اللغوي. ولكن الأهم، ومع كل لغة، أو لهجة تتعلمها، فإنك “تحرر روحاً مسجونة في داخلك. روحاً ستعمل وفق فكرها الخاص، لتفتح أمامك شعوراً بالعالم لم تكن تعرفه”، كما يقول أحدهم.

إعداد وتحرير: نور حسن