حرفيو موزاييك في إدلب ينتجون لوحاتهم وسط الصعوبات والتشدد
إدلب – نورث برس
تنشغل سعاد المحمود (33 عاماً)، وهي من سكان مخيم كللي بريف إدلب الشمالي، شمال غربي سوريا، برصف أحجار الموزاييك (الفسيفساء) لإنجاز لوحةٍ فنيةٍ بهدف بيعها، والاستفادة من ثمنها في تأمين قوت عائلتها.
ورفضت المرأة التخلي عن المهنة بعد نزوحها، واعتقال زوجها منذ ثلاث سنوات رغم صعوبات العمل الذي تعتمد فيه على خبرتها الشخصية “ويتطلب الدقة والمهارة، والكثير من الصبر والتأن.”
وتُعد مدينة إدلب وريفها من أعرق المناطق المعروفة بانتشار فن الزخرف، ويُعدّ متحف معرّة النعمان من أكبر وأشهر متاحف الفسيفساء في الشرق الأوسط والعالم، بينما يحافظ حرفيون وورشات على الإنتاج رغم صعوبات العمل وتشدد مسلحي الفصائل.
وتضم المدينة وريفها حوالي عشر ورشات للموزاييك، توفر كل منها فرص عمل لـ15 رجلاً وامرأة بأعمار مختلفة، يعمل بعضهم في هذه المهنة منذ عشرات السنين.
وتبلغ أسعار اللوحات التي تبيعها “سعاد” بحدود 50 دولاراً للوحة الواحدة، بحسب حجم اللوحة وحرفيتها، حيث تتمكن المرأة من إنجاز لوحتين أو ثلاث شهرياً.
حرفة دقيقة
وتقول المرأة إن “قص الأحجار يحتاج إلى مجهود كبير، فبعض اللوحات تضم أكثر من ألف حجر، كما أنها حرفة هندسية دقيقة، لا يستطيع أي شخص أن يصنع لوحات الفسيفساء إلا من خلال التدريب المتواصل.”
وبعد نزوحه من مدينة كفرنبل، رجع محمد الجابر (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لصاحب ورشة فسيفساء في مدينة سرمدا، لممارسة مهنته المفضلة والتي تشكل “مصدر دخله الوحيد.”
وبحسب “الجابر”، فإن هذه المهنة حافظت على انتشارها في مدن وبلدات إدلب، نظراً لجمالها الفني، ومردودها المادي، حيث يعمد الناس إلى اقتنائها لتزيين المساكن والأماكن بها.
وتتنوع مواضيع اللوحات بين أشكال هندسية ونباتية ورسوم دينية وثقافية، وما بين محاكاة القصص الملحمية والأساطير إلى ملامسة الحياة اليومية، وكذلك صور الأشخاص والمناظر الطبيعية.
ويشير “الجابر” إلى أن “بداية العمل يكون من خلال طباعة الصورة المطلوب رسمها على لوحة الفسيفساء، ومن ثم انتقاء الحجارة، بحيث تكون ألوانها مشابهةً لألوان اللوحة المطبوعة، وتقطيعها بأحجام تتناسب مع المكان الذي سوف توضع فيه.”
وأخيراً يتم لصقها وترتيبها بأسوب فني على الصورة المطبوعة.
وبعد الانتهاء من اللوحة، يقوم الحرفي بحفها وتنعيمها، ثم طلائها بمادة ملمعة لمنحها بريقاً مميزاً.
لوحات محرمة
ويواجه أصحاب هذه الحرفة عدة صعوبات، أبرزها تدخل الفصائل المسلحة المتشددة التي تسيطر على المنطقة في المهنة، من خلال منع تجسيد الأشكال البشرية والحيوانات في اللوحات “لأن ذلك محرم بنظرهم”.
وتتعلق الصعوبات الأخرى بانقطاع طرق التصدير إلى لبنان والأردن وبعض الدول الأوروبية، كما فرضت ظروف الحرب انخفاض الطلب المحلّي على اللوحات، “لانشغال السكان بلقمة العيش”، بحسب “الجابر”.
ويضيف صاحب الورشة أن “حملة النزوح أدت لتفرق العمال المهرة في قرى وبلدات إدلب، كما يواجه أصحاب الورشات صعوبة بتأمين المواد الأولية وارتفاع سعرها، وخاصة الحصى، لقلة وجود مناشر مختصة.”
بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد اللاصقة، وغيرها من المواد والأدوات التي تحتاجها الحرفة، الأمر الذي دفع عدد من أصحاب ورش الموزاييك لنقل أعمالهم إلى تركيا، نظراً لتوافر المواد الأولية، ووجود سوق لتصريف الإنتاج هناك. وفقاً لـ”الجابر”.
وتزين نور حاج قدور (29 عاماً) من مدينة إدلب، وهي مختصة بعلم الآثار، منزلها بلوحات الموزاييك “باعتبارها تمنح المكان الذي يوجد فيه طابع الفخامة والجمال.”
وتقول لنورث برس إن “الموزاييك يبرز الثقافة وهو يروي القصص والأساطير من خلال لوحات تكاد تنطق.”