أصوات الطيران الروسي تحول حياة سكان في الساحل السوري إلى جحيم

اللاذقية ـ نورث برس

ضجيجها الذي يملأ الفضاء يقطع مكالمة ليلى من دمشق مع أمها في الساحل، لأنه لا يمكن لأي منهما أن يسمع شيئاً في الهاتف سوى ذاك الضجيج الذي يتكرر بشكل يومي ولمرات ومرات.

الطيران الروسي الذي يقلع ويهبط في مطار الحميميم الواقع بين جبلة واللاذقية في الساحل السوري فرض إيقاعاً مختلفاً على الحياة هنالك بشكل وصفه بعض سكان القرى القريبة من المطار كقرية ( بسيسين, والشراشير، المقص) بـ”الكارثي”.

واضطر للفرار كل من استطاع إليه سبيلاً من سكان تلك المناطق، وبعدما انخفضت أسعار منازلهم إلى الأرض بسبب صعوبة العيش إلى جوار مطار حميميم “الروسي” حالياً.

تشقق المنازل

يقول سامي أحمد “46 عاماً” لنورس برس إن أضرار الطلعات اليومية للطائرات الروسية لا تحصى على السكان، فقد ظهرت تشققات في أغلب المنازل القريبة وحتى البعيدة منها.

وأشار إلى أنه بدأ يشاهد تشققات في بيته رغم أن قريته لا تعد من القرى القريبة من المطار، لكن كثرة الطلعات وأصواتها التي تملأ السماء كفيلة بنقل الأضرار إلى القرى الأبعد عن المطار.

ومن المشاكل اليومية التي تحدثت عنها بعض الأمهات لنورث برس، هو حالة الرعب التي يصحو عليها الأطفال الصغار عند مرور الطائرات الروسية خاصة منها تلك التي تسير على ارتفاع منخفض أو بعض الأنواع التي تصدر أصواتاً مرتفعة للغاية.

تقول ساميا وهي أم لطفلين تسكن في منطقة المقص إنها ظلت لمدة طويلة مرغمة على مغادرة بيتها والعودة إلى بيت أهلها في حمص، لأن ولديها في حالة بكاء دائم ونوم قلق بسبب الرعب الذي يحدثه لهم صوت الطيران الروسي المنطلق من مطار حميميم، وكان عليها أن تؤمن لهم بين الفينة والأخرى بعض النوم الهادئ.

يقول هادي الحسن من سكان قرية الشراشير القريبة من المطار إن الطائرة عندما تقلع تحدث زوبعة أو عاصفة تتسبب شدتها بتحريك الكراسي والطاولات وأحياناً يحتاج الأطفال إلى التشبث جيداً لكي لا يطيروا مع الكراسي والطاولات في الأماكن القريبة من المهبط.

والأخطر مما سبق، بحسب سكان، هو “سقوط صواريخ من الطائرات المحملة وقد حصلت هذه الحوادث أكثر من مرة، وكان القدر رحيماً لأن الصواريخ سقطت في أراض زراعية دون أن تخلف خسائر بشرية.”

وفي إحدى المرات سقط صاروخ لم ينفجر إلى جانب أحد المنازل في قرية الشراشير الأمر الذي اضطر أصحاب البيت إلى مغادرة بيتهم ومن ثم قامت الجهات المختصة بتفجير الصاروخ الذي فجر المنزل معه.

وعن التعويضات، شدد الكثير من السكان، على أنه لا يوجد أي تعويضات للأضرار، وأن صاحب هذا المنزل حصل على منزل بديل سيء.

تبدلت المشاعر

يقول المحامي فادي عبد الله (50 عاماً): “في البداية كان الخوف من هجمات المسلحين على مناطقهم ومدى الوحشية التي تعرض لها السكان عقب هجوم المسلحين على قرى من ريف اللاذقية.”

وأضاف: “عندها كان السكان عامة يشعرون بالطمأنينة عندما يسمعون أصوات الطيران الروسي ويرون أن هذا سيحول دون تعرضهم لهجمات مماثلة من قبل المسلحين.”

ولكن الوضع بدأ يختلف تدريجياً خاصة مع أخبار الموت اليومية لعناصر القوات الحكومية، دون تدخل من الطيران الروسي لمنع حصول ذلك كما في إدلب.

وقال ضابط متقاعد لنورث برس، إن “وحدات الجيش تتعرض بشكل دائم لهجمات في إدلب دون إمكانية الرد على تلك الهجمات، أو دون رد روسي بشكل يوحي بأن الجيش في حالة استنزاف دائمة تحت نظر الروس.”

وفي 2016، وسعت روسيا القاعدة العسكرية في حميميم، بعدما وقع  الجانب الروسي اتفاق  استخدام القاعدة في 2015.

وذكر ضابط متقاعد من الساحل السورية، أن القاعدة تحتوي على تشكيلة واسعة من الطائرات الروسية العسكرية، ومنظومات للدفاع الجوي، وأخرى للاتصالات والتجسس والاستطلاع.

واستمرت الطلعات الجوية بعد توقف الأعمال الحربية، دون معرفة السكان بأسباب هذه الطلعات خاصة في ساعات الليل المتأخرة، كما قال سمير عيسى، وهو اسم مستعار لوالد أربعة أطفال في الساحل.

وفرضت تلك الطلعات على سكان تلك المناطق العيش مع مشاكل وازعاجات أصوات الطائرات خاصة لما يسمى منها بالقاذف الذي يصدر عنه صوت يسبب رعباً حقيقياً للسكان، خاصة عندما يصدر في ساعات الليل المتأخرة للمناطق القريبة.

وفي منطقة كغزل جبلة يأتي الصوت فوق المعمل ويعطي شعوراً بأن هنالك معركة حقيقية، كما قال أحد العاملين في المعمل.

“مناطقنا ممنوعة علينا

يتحدث  الكثير من سكان الساحل باستياء عن سياسة روسيا في مناطقهم، كـ”الاستيلاء على الكثير من المناطق الاستراتيجية في الساحل، ومنع السكان من الاقتراب من تلك المناطق، وإعاقة عملهم في المناطق المجاورة.”

وشددت صاحبة أرض مزروعة بالزيتون في منطقة “بتمانة”، على أنهم كانوا يحملون الزيتون وكل المعدات الزراعية على أكتافهم وهم يعبرون التلال الناتجة عن تجهيز الموقع الذي استولى عليه الروس وهو يمثل أفضل نقطة في القرية.

وقالت: “بدأوا بتجهيز المكان دون الاهتمام بالأضرار التي يتسببون بها لأصحاب الأراضي، وأن هذا الحال استمر طويلاً وأعاق مرور السيارات إلى أراضيهم.”

كما تعرض العمال في معمل الأسمدة في حمص إلى الكثير من المشاكل بعدما تسلمه الروس، والحال ذاته مع مرفأ طرطوس.

وإذا كان هذا لا يمثل كل استثمارات الروس في الساحل فإنها تمثل واقع العلاقة المباشرة بين السكان وطريقة تعامل الإدارات الروسية التي تدير هذه المواقع، كحال منطقة تسمى “وادي جهنم”.

وكانت المنطقة تشكل مقصداً سياحياً للسكان يلتقطون فيها الصور التذكارية، ولكن بعدما استولى عليها الروس لم يعد الاقتراب منها مسموحاً.

ومن مظاهر الاحتكاك اليومي مع السكان كما يقول أحد الإعلاميين في سوريا: “هو طريقة استخدام الأسطول الروسي للطرق العامة وطريق السفر خاصة، حيث يحجزون الجانب المخصص للسرعة الأعلى ( يسار الطريق) وعلى جميع المستخدمين لذلك الأوتوستراد تدبر أمرهم لأن الروس غير معنيين بقوانين السير وآدابه، بحسب سكان.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي