دمشق – نورث برس
يواجه طلاب الدراسات العليا والباحثون في جامعة دمشق خلال السنوات الأخيرة مشكلات تتعلق بصعوبة إجراء البحوث العلمية، ونقص الكادر التدريسي، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها كل من الكادر التدريسي والطلاب على حدٍ سواء، وتعجز الجامعة السورية عن حلّها في ظل الظروف الراهنة، مما أدى إلى تراجع تصنيفها عالمياً.
وتعود صعوبات إجراء البحث العلمي لعدة عوامل ومشكلات، منها نقص التمويل، والمصادر العلمية، وارتفاع التكاليف، مما يدفع بالكثير من الطلاب للجوء إلى الاعتماد على مواد ومصادر متشابهة، فأدى ذلك إلى تشابه في الأبحاث والنتائج المستخلصة.
يقول هاشم حداد (29 عاماً) وهو اسم مستعار لطالب دكتوراه في قسم علم الاجتماع، لنورث برس، إن “مشكلة التشابه بالأبحاث العلمية تعود لشحٍّ في الأرقام والبيانات الرسمية التي يمكن بناء البحث عليها، وغياب الإحصاءات كلياً في بعض الأحيان.”
مصادر قليلة
ويشير “حداد” إلى أن الأرقام المتوفرة نادرة، مما يدفع بالباحثين إلى اعتمادها على مدار سنوات متتالية، و”هذا يؤدي إلى استخلاص النتائج نفسها أو نتائج متشابهة في أغلب الأحيان.”
كما يصعب القيام بإعداد أرقام جديدة، لضيق مساحة العمل ومحدودية الخيارات في العينات التي يمكن دراستها وارتفاع تكاليف البحث. بحسب “حداد”
بالإضافة إلى أن الموافقات الأمنية المطلوبة لإجراء دراسات استقصائية يمكن البناء عليها لاستخلاص نتائج، تحتاج لأشهر عديدة، وتحقيقات مطولة من الفروع الأمنية، “مما يدفع الباحثين لتجنب الدخول في هذا الباب”.
ويضيف “حداد” أنه “حتى لو استطاع الباحث الحصول على تلك الموافقات، فإنه سيواجه مشكلة عدم التصريح بدقة، من قبل الشهود، وعدم إمكانية طرح النتائج بشكل صريح، نظراً لتعلقها بالسلوك الحكومي والوضع السياسي والاقتصادي القائم”.
ويحتاج الباحثون إلى المراجع الحديثة، في حالة التوجه لإجراء بحث نظري، “فالأبحاث المتوفرة تعود لما قبل العام 2010 بعدة سنوات، بينما لا يمكن الوصول إلى الأبحاث الجديدة، والجامعة لا تقوم بدورها بتوفيرها للطلاب والباحثين”. وفقاً لـ”حداد”.
وتقول سلام عبد الله (32 عاماً) وهو اسم مستعار لباحثة في مركز القياس والتقويم التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في سوريا، لنورث برس، إن “هناك العديد من المشاكل التي تواجه الطلاب والباحثين في الجامعات السورية، من حيث تكرار المواضيع، وعدم تقديم أفكار جديدة، حيث يتم نسخ الأبحاث في الغالب من أبحاث أخرى، وتُجمّع ليقدمها الباحث على أنها بحث جديد”.
وتضيف: “بينما يصعب مراجعة الأبحاث المقدمة وتدقيقها، بسبب عدم وجود لجان علمية قادرة على تغطيتها جميعاً، بدءاً من أبحاث التخرج، ووصولاً إلى رسائل الدكتوراه”.
في شهر حزيران / يونيو من العام الحالي، أعلن محمد فراس الحناوي نائب رئيس جامعة دمشق لشؤون البحث العلمي، عن صدور قرارٍ بسحب شهادة الدكتوراه من إحدى طالبات كلية الزراعة، وذلك بعد تقديم شكوى رسمية من قبل صاحب البحث الأساسي، الذي جرى استلال رسالة الدكتوراه منه.
وقدّر “الحناوي” في تصريح لجريدة “الوطن” شبه الرسمية، أن مجموع رسائل الماجستير المقدمة للجامعة بين عامي 2012 و2019 بلغ 7039 رسالة، أُنجز منها 4139 رسالة، وبلغ عدد رسائل الدكتوراه خلال الفترة ذاتها 2352 رسالة، أنجز منها 1377 رسالة.
وبلغت نسبة الإنجاز بحدود 60%، وهذا يعود بحسب “الحناوي” إلى عدم جدية بعض الطلاب في إتمام الدراسة، كذلك عدم قدرة المدرسين على متابعة طلابهم.
تمويل قليل
كما تبرز مشكلة الوضع المعيشي، والأجور المتدنية، كأحد أهم المشاكل التي تواجه العاملين في القطاع التدريسي والبحثي في الجامعات السورية والذي أدى بدوره لهجرة الكوادر، مما تسبب في حدوث نقصٍ في الكادر العلمي.
ويبلغ راتب حامل شهادة الدكتوراه عند بداية تعيينه 86 ألفاً، وراتب حامل شهادة الماجستير82 ألفاً، وراتب حامل الإجازة 79 ألفاً، بعد الزيادة الجديدة التي كانت بنسبة 50%.
يقول همام درويش (43 عاماً) وهو اسم مستعار لدكتور في كلية العلوم بجامعة دمشق، لنورث برس، إن الراتب الذي يتقاضاه المدرس في الجامعة “لا يكفي لطعامه فقط.”
وتُلزم الجامعة المدرس، إضافة إلى التدريس، بالمراقبة أثناء الامتحانات، وتصحيح الأعداد الهائلة من الأوراق كل فصل، دون أن تلتفت للأجور التي تقدمها.
ويشير إلى أن “الباحث يتحمل تكاليف بحثه، وأن الجامعة لا تساعده إلا بمبالغ رمزية، مما يحتّم عليه الانصراف إلى الأبحاث النظرية ذات التكلفة القليلة التي تقتصر على الطباعة.”
ويضيف الدكتور الجامعي: “حتى يستطيع الباحث تقديم أبحاث عملية ذات قيمة، يجب على الجامعة أن تؤمن له مصادر لتمويل البحث العلمي كباقي الدول.”
وصنف موقع (ويب ماتريكس) للجامعات في نسخته لعام 2021، جامعة دمشق في المرتبة 3429 عالمياً.
كما وثق موقع وحدة الأبحاث الدولية “سايبرميتريك لاب”، تراجعاً في ترتيب الجامعة السورية عن السنوات السابقة أيضاً، فقد حلتّ جامعة دمشق على المرتبة عالمياً4475. وفقاً للموقع
ويتمّ تصنيف الجامعات وفق معايير عدّة، أهمّها جودة التعليم، إضافةً إلى مستوى الهيئة التدريسية في هذه الجامعات، ونسبة الكادر التدريسيّ إلى عدد الطلاب، كما تُؤخذ الأبحاث العلمية التي تتمّ في هذه الجامعات بعين الاعتبار، ومدى تواجد إنتاج الجامعة على شبكة البحث على الإنترنت.
وكشف “الحناوي” عن آلية جديدة لضبط حالات السرقة أو “الاستلال” وقال: “إنهم سيبدؤون بوضع جميع الأطروحات (رسائل الماجستير والدكتوراه) سواء الداخلية أو الخارجية على موقع الجامعة بشكل تدريجي، حتى تتم المقارنة فيما بينها، والتحقق في حال وجود أي بحوث مشابه، حتى لو كان بعنوان مختلف.”