الانهيار الاقتصادي يدفع أرباب أسر سورية لتحميل أولادهم نفقات في عمر مبكر

دمشق – نورث برس

مع بداية عطلة الصيف وانتهاء السنة الدراسية، يذهب حسن ناصر (15عاماً) وهو من سكان العاصمة دمشق إلى  إحدى ورش النجارة المجاورة لمنزله لإكمال تعلّم المهنة التي بدأها منذ عامين، قبل أن يبدأ العام الدراسي ويعود إلى مقاعد الدراسة.

ويعمل “ناصر” من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة السابعة مساءاً، مع بعض الاستراحات التي يسمح له “المعلم” بأخذها عندما تكون الكهرباء مقطوعة ولا يوجد عمل يمكن القيام به، يقضيها في اللعب مع أصدقائه في الحي.

ودأب سكان في العاصمة ومختلف المناطق السورية على إرسال أطفالهم في العطل الصيفية لتعلم المهن التي من الممكن أن توفر لهم مصدراً للدخل في المستقبل.

وأدت الحرب السورية إلى ازدياد ظاهرة عمالة الأطفال بشكل عام تأثراً بالظروف الاقتصادية وتردي الوضع المعيشي الذي أصاب معظم فئات المجتمع مع ما ترافق من موجات نزوح داخلية.

وتشهد سوريا تفاقماً حاداً في الأوضاع المعيشية في ظل موجة ارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة على خلفية انهيار قيمة الليرة السورية.

وتجاوز سعر صرف الدولار الأميركي الواحد، خلال الأشهر الماضية، حاجز 4700 ليرة، بينما سجلت الليرة السورية تحسنا ملحوظاً هذا الأسبوع لتسجل في أسواق دمشق، الأحد، 3270 ليرة سورية للدولار الواحد.

ويقول “ناصر” إن والده الذي يعمل كبستاني في أحد المشاتل، حثه على الاجتهاد في تعلّم المهنة بنفس الجهد الذي يبذله في المدرسة قائلاً: “إن هذه المهنة قد تكون مصدر طعامنا عند الحاجة.”

ويقوم الطفل في المحل إلى جانب التنظيف وإعداد الشاي، بحف الأخشاب ومراقبة “المعلم” كيف يقوم بالقياسات وقص الأخشاب على آلة القص.

“تحمل المسؤولية”

ومع الانهيار الاقتصادي، أصبح من الصعب على رب الأسرة أن يتحمل نفقات أولاده، ما يدفعه لتحميلهم مسؤولية مصروفهم في عمر مبكر جداً، هذا إذا لم يتحملوا مصاريف العائلة ككل في بعض الحالات التي يكون فيها الأب متوفياً أو مقعداَ.

وبحسب اليونيسف فإن سعر السلة الغذائية المتوسطة، أي ما تستهلكه العائلات كل أسبوع،  ارتفع في العام الماضي، ارتفاعاً هائلاً ووصل إلى أكثر من 230 في المائة.

ووفقاً للمنظمة، فإن هناك داخل سوريا ستة ملايين و100 ألف طفل بحاجة إلى المساعدة. “وهي زيادة بنسبة 20 في المائة عن العام الماضي فقط؛ وتمثل هذه النسبة 90 في المائة من الأطفال السوريين.”

كما أن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سوريا يعانون من التقزم نتيجة سوء التغذية المُزمن، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

ويقول سامر عمر (40عاماً) وهو موظف حكومي بوزارة الاتصالات، وله ثلاثة أولاد، لنورث برس، إنه يدفع بابنه ذي الثلاثة عشر عاماً للعمل لدى متجر المواد الغذائية المجاور.

ويذكر “عمر” أنه في ظل هذه الظروف من الأفضل على الأطفال العمل وتحمل المسؤولية باكراً، كما أن ظروف العمل ستصنع منه “رجلاً قادراً على حماية نفسه وعائلته مهما تقلبت الظروف”، على حد تعبيره.

ويجد الموظف الحكومي في هذه الخطوة “ضرورة ملحّة”، كما أنه لن يتردد بإرسال ولديه الآخرين إلى العمل عندما يصبح عمرهم مناسباً لذلك، دون أن يتعارض ذلك مع الاهتمام بالمدرسة، على حد قوله.

وساهمت الحرب في زيادة تسرب الأطفال من المدارس، حيث أشارت التقديرات إلى أن مليوني طفل حرموا من التعليم، فيما تتجاوز نسبة عمالة الأطفال 20% وفق تقديرات أممية.

ظروف العمل

وفي كثير من الأحيان، تكون ظروف العمل التي يعمل بها الأطفال “قاهرة” من حيث ساعات العمل، بالإضافة إلى الجهد المبذول، وأغلبهم يلجؤون للورش والبسطات تحت أشعة الشمس الحارقة أو القيام بأعمال مجهدة لا تناسب طبيعتهم الجسدية غير مكتملة النمو.

وفي العام 2018 وقعت منظمة العمل الدولية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية على مذكرة تفاهم لإطلاق مشروع جديد يتصدى لتفشي ظاهرة عمل الأطفال في سوريا.

وسعى المشروع الذي انتهى في آب/أغسطس 2019 إلى سحب وتأهيل الأطفال المنخرطين في أسوأ أشكال العمل، ويمنع المعرضين منهم للخطر من الانخراط فيها.

وتقول بتول عماد (32 عاماً)، وهو اسم مستعار لإحدى العاملات في منظمة مدنية في قسم حماية الطفل في دمشق، إن من بين كل الإجراءات التي اتخذوها للحد من هذه الظاهرة، “فقط القليل منها أعطى نتيجة.”

وتضيف: “لا يمكن تصور كم الصعوبات التي تواجهنا لإقناع الأهل بضرورة عدم دفع أولادهم للعمل، وتوعيتهم بالنتائج السلبية التي ستؤدي لتسربهم من المدرسة.”

وفيما يخص المساعدات المقدمة من قبل المنظمات المختلفة لمنع هذه الظاهرة بشكل أو بآخر، تشير “عماد” إلى الفجوة الكبيرة بين الحاجة والمُقدم منها للأسر “نتيجة الصعوبات الكبيرة التي تواجه هذه المنظمات على الأرض.”

إعداد: وسام عبد الله – تحرير: سوزدار محمد