فتاة في القامشلي تفوقت بدراستها بلغتها الأم وتقول: سنملك زمام المبادرة
القامشلي – نورث برس
نجحت شانا خلف (17 عاماً)، وهي طالبة في القامشلي، شمال شرقي سوريا، بتفوق أو انتصرت كما يحلو لوالدها أن يصف اجتيازها مع زميلاتها وزملائها هذا العام تحديات كان أبرزها تقدمهم لامتحانات الثانوية بلغتهم الأم الكردية لأول مرة في تاريخ البلاد.
ولم تمنع التحديات الفتاة من الحصول على 777 درجة من مجموع 800 درجة في امتحانات الفرع العلمي للثانوية، وهي أعلى درجة على مستوى مدينة القامشلي ومن الدرجات العليا على مستوى منطقة الجزيرة.
وتقول الإحصاءات الرسمية في هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة، وهو تقسيم للإدارة الذاتية يشمل مدينتي الحسكة والقامشلي وأريافهما، إن 1452 طالباً وطالبة نجحوا في امتحانات الثانوية العامة منهم 732 للفرع العلمي, و720 للفرع الأدبي, بنسبة نجاح بلغت 63 بالمائة.
درس أولئك الطلاب، ومن بينهم شانا، المناهج المعتمدة من حكومة دمشق باللغة العربية حتى السنة الدراسية الثامنة، واستكملوا تعليمهم أواخر المرحلة الإعداداية وفق منهاج وضعته الإدارة الذاتية يقضي التعلم باللغة الأم إلى جانب مواد للغات محلية وأجنبية في مراحل دراسية لاحقة.
تجاوز تحديات
تعيش شانا مع والديها وأختين تكبرهما سناً في منزل بحي الأربوية في الجهة الشرقية لمدينة القامشلي، وخصص والداها غرفة صغيرة لدراستها ما تزال تحتفظ بكتبها فيها.
وتقول إنها واجهت في دراستها الثانوية، إلى جانب حداثة تجربة التدريس بالكردية، عراقيل بدأت مع إغلاق المدارس بسبب الغزو التركي على منطقتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض عام 2019، وإغلاقات أخرى بسبب انتشار جائحة كورونا في المنطقة.
وبداية العام الدراسي 2015- 2016، بدأت الإدارة الذاتية بتدريس مناهجها التعليمية لثلاثة صفوف أولى، زادتها تباعاً حتى شملت كافة المراحل الدراسية.
وقبل خمسة أعوام، لم تكن شانا قد تلقت من تعليم اللغة الكردية سوى حصص أسبوعية كانت الإدارة الذاتية قد فرضتها على المدارس الحكومية في مناطق سيطرتها رغم صدور تعاميم أمنية حذّرت مديري المدارس من قبول إدخال كوادر جدد أو كتب غير تلك المقررة في دمشق.
وفي العام الأخير من الإعدادية، تلقت الفتاة المواد الدراسية، بما فيها المواد العلمية، بلغتها الكردية، إلى جانب مادة لكل من اللغتين العربية والإنجليزية.
لكن إلى جانب اللغة الكردية، أعدت هيئة التربية في الإدارة الذاتية منهاجين أخريين باللغتين العربية والسريانية.
تنسب شانا كثيراً من الفضل في تجاوزها لعقبات الإغلاق المتكرر للمدارس وصعوبة بعض الدروس إلى التشجيع الذي تقول إنها تلقته من عائلتها ومعلميها.
وتشير إلى أختيها الصغيرتين، وتقول حتى هما لم تكونا تثيران الضجيج المعتاد أثناء لهوهما في المنزل، كما كان والداها يجهدان لتخفيف معاناة الصيف عليها في ظل الفترات الطويلة لانقطاع خدمتي الكهرباء والمياه.
وترجع سبب خسارتها بعض الدرجات في النتائج إلى “الانقطاع عن المدارس وعدم استكمال الدروس المقررة.”
فقد تم تعويض فترة إغلاق خلال الفصل الأول، لكن الإغلاق الكامل مطلع نيسان/أبريل الماضي الذي تبعه إغلاق جزئي “أضرّ” بدراستها، على حد قولها، رغم التواصل مع مدرسيها عن بعد عبر الإنترنت.
تقول الفتاة إنها تعرفت عبر مناهج الإدارة الذاتية على ثقافة المنطقة ومكوناتها، “بينما مناهج النظام كانت تنكر ثقافة ووجود الكرد.”
لكنها تضيف أن الفضل الأكبر في تشجيعها كان للعائلة التي عدت دراستها أولوية طوال 12 عاماً، مرت معظمها وسط الحرب والأزمات.
دعم وتشجيع
والدتها كلستان أحمد (42 عاماً)، هي إدارية في إحدى مدارس الإدارة الذاتية، تقول إن جيل ابنتها واجه العام الدراسي الماضي فترات إغلاق كثيرة، كان أصعبها فترة الهجوم التركي على مدينتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض.
وتضيف أن تعرض كامل مدن وبلدات المنطقة الحدودية للقصف التركي وتحول مدارس إلى مراكز إيواء واستيعاب أخرى بعدها لطلاب عدة مدارس أثر سلباً على الطلاب، ومن ضمنهم ابنتها التي كانت في الصف الحادي عشر.
لكن التحدي هذا العام كان تحول امتحانات الثانوية العامة من نظام التقييم الذي كان يعتمد على اختبارات متعددة ضمن المدرسة، إلى نظام امتحانات سنوية عامة.
“كانت تدرس حتى ساعاتٍ متأخرة من الليل، رأيناها تبكي مرات بسبب الضغط الزائد عليها، فحاولت أنا ووالدها التخفيف عنها.”
وتعتقد كلستان أن أكثر التلاميذ نجاحاً هم الذين يتابع أولياؤهم دعمهم وإبعاد الأفكار المحبطة حول مستقبلهم عن تفكيرهم، “لولا التحديات التي واجهتها شانا في أكثر من جانب لحققت الدرجة التامة.”
وتطمح الفتاة الآن للتسجيل في كلية الطب البشري في جامعة روج آفا وهو طموحٌ دراسيّ يرافقها منذ الصغر.
وجامعة روج آفا هي جامعة أسستها الإدارة الذاتية في حزيران/يوليو عام 2016 بمدينة القامشلي، وتضم كليات العلوم التربوية وفروع للهندسة والآداب والعلوم والفنون الجميلة والطب وغيرها.
أما والدها سامي خلف (43 عاماً) فلا ينظر إلى تفّوق ابنته كنجاح دراسي فحسب، إنما يراه نصراً لشعبه ومنطقته وبلاده بأكملها، “لا شيء يمكن أن يضاهي هذا النجاح، دراستهم باللغة الكردية تحقيق لحلم آبائهم وأجدادهم الذين كانوا يتساءلون دائماً متى سيدرس أطفالهم بلغتهم.”
ولن ينسى “خلف” أيام كانت القراءة والكتابة باللغة الكردية محظورة من حكومة دمشق، ” كنا نقرأ بعض الكتب بالسر أو نحضر دروساً بالكردية ضمن المنازل، لكن ذلك لم يكن كافياً لنتعلم لغتنا الأم بطريقة أكاديمية.”
وتبدو شانا سعيدة لأنها تعتبر نفسها من جيل قد يملك زمام المبادرة في صناعة المستقبل، “كان أساتذتنا يكدحون معنا طوال الوقت لنشعر أننا بالفعل نشكّل بناة مستقبل هذه البلاد.”