اعترافات خلية للاستخبارات التركية: استهدفنا مقاراً وأرسلنا تسجيلات لمراقبة أشخاص في الرقة
القامشلي- نورث برس
قال معتقلون من خلية تابعة للاستخبارات التركية إنهم زرعوا عبوات ناسفة في مدينة الرقة وريفها، شمالي سوريا، واستهدفوا مقراً لقوى الأمن الداخلي (الأسايش) وأرسلوا تسجيلات مصورة لعملياتهم تلك، بالإضافة إلى أعمال مراقبة لشخصيات في المدينة.
جاءت الاعترافات في ملف بيد القوى الأمنية شمال وشرقي سوريا بعد القبض على ثلاثة أعضاء في الخلية، وتمكنت نورث برس من الاطلاع على تفاصيل تلك الاعترافات.
وبدأت قصة تجنيد عناصر خلية جديدة العام الماضي 2020، حين عاد بدر تركي الفحل (39 عاماً)، وهو من مواليد الرقة، من تركيا إلى تل أبيض بهدف الوصول مع ولديه لمدينة الرقة.
وكان “الفحل” قد انضم بداية الحرب في سوريا “لفصائل لجيش الحر”، وذكر أنه تركها بداية سيطرتها بقيادة جبهة النصرة على مدينة الرقة عام 2013، دون ذكر أسباب تركه.
وغادر نحو تركيا بعد أن سجن لأكثر من أربعة أشهر لدى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي سيطر على المدينة لاحقاً، ليقرر بعد عامين من انفصاله عن زوجته هناك العودة إلى الرقة.
تجنيد للاستخبارات التركية
والتقى بدر في تل أبيض حسين فرج المحمد المتحدر من الرقة، وهو عنصر في فصيل جيش الشرقية وعامل مع الاستخبارات التركية، والذي أخذ يصرف المال بكثرة على احتياجات بدر وولديه وأخيه الذي قدم لاحقاً إلى بلدة سلوك بريف تل أبيض.
حين أخبره بدر أنه لا يملك مالاً لسداد تلك المبالغ، رد أنه ما من مشكلة في موعد السداد، لكنه عاد بعد فترة وطالبه بمبلغ 1300 دولار أميركي قيمة ما صرفه عليهم مع تفصيلات تلك المبالغ وعلى ماذا صُرفت.
وحين قال بدر إنه لا يملك المال، تلقى تهديداً بتقديم شكوى لفصيل جيش الشرقية وسجنه في حال لم يسدد ما عليه، على حد رواية المعتقل حالياً لدى القوى الأمنية في شمال وشرق سوريا.
بهذه الأدوات، نجح حسين فرج في فرض الانضمام لخلايا تعمل مع الاستخبارات التركية على ضيفه الذي علم بدوره أن بعض تلك الخلايا تدار من قيادي في فصائل المعارضة يُعرف باسم “أبو شجاع”.
يقول بدر إن حسين أعطاه لغمين وعلمه طريقة الاستخدام، بينما قام شخص آخر بإيصاله إلى مدينة الرقة، وأخبره أن يخبئهما لاستخدام كل منهما في عملية منفصلة حين الطلب.
وشهدت مدينة الرقة حوادث لانفجار عبوات وألغام واستهداف عناصر لقوات سوريا الديمقراطية وموظفي الإدارة الذاتية ووجهاء وسكان في المنطقة.
وكان تنظيم “داعش” يتبنى بعض تلك العمليات، بينما كانت الأخرى تفسر غالباً على أنها مخلفات حرب منذ سنوات الحرب ضد التنظيم.
وفي تقرير عمل وكالة الاستخبارات التركية عام 2020، قال رئيسها هاكان فيدان إن الإجراءات التي اتخذتها الوكالة أظهرت نتائج إيجابية بزيادة فاعليتها في مجال الاستخبارات الخارجية.
وأضاف: “لقد تحمل جهازنا واجبات عديدة وفقاً لمصالح بلادنا في مناطق الصراع، وزاد أنشطة الاستخبارات الخارجية.”
مراقبة أشخاص ونقل عبوات
كان ياسر أيوب العبد (20 عاماً)، وهو أحد أعضاء الخلية ومن مواليد الرقة، قد بقي في تركيا بين العامين 2013 و2019، وعمل هناك مع أخيه صالح وصديقه بدر الفحل في أعمال إكساء البناء قبل أن يعود إلى الرقة.
كما عاد صالح إلى الرقة بعد تسفيره من تركيا بسبب عمله في تهريب التبغ، ليذهب مطلع العام 2020 إلى ريف الحسكة الشمالي لينضم للفصائل الموالية لتركيا.
لكن صالح وبدر عادا مجدداً للرقة، وعرضا على ياسر العمل معهم في الخلية، طالبين منه بداية تصوير نقاط عسكرية بهاتفه.
يقول ياسر، في اعترافاته، إنه رفض ذلك أول الأمر “لأنه متزوج وعنده مسؤوليات”، لكنه قبل لاحقاً تصوير مراكز لقوى الأمن الداخلي ومؤسسات الإدارة الذاتية في القسم الغربي لمدينة الرقة.
وذات يوم، فوجئ عبد الكريم أيوب العبد (33 عاماً)، وهو أخ ثالث لصالح وياسر، بدخول الأخير إلى منزله حاملاً عبوات ناسفة قال إن صالح وبدر طلبا منه إخفاءها في المنزل.
قرر الشقيقان إخفاء العبوات تحت التراب في الخارج، لكن الأرض القاسية كانت عصية على الحفر، ما جعلهما يخشيان افتضاح أمرهما، فخبأاها داخل التنور في باحة المنزل.
وكان “أبو شجاع” المنسق بين أعضاء الخلية والاستخبارات التركية يحدد الأهداف، ويطلب مراقبة أشخاص، بعد إرسال أسماء مرفقة بصورهم ومواقع منازلهم لبدر الذي كان يقوم بتصوير عمليات المراقبة والاستهداف ويرسلها له.
لكن القوى الأمنية في شمال وشرق سوريا اعتقلت أخوة له، فأخذ أولاده وتوجه هذه المرة إلى مدينة سري كانيه (رأس العين)، “وذلك لأتخلص من طلبات العناصر في تل أبيض”، على حد قوله في اعترافاته.
عند دخول بدر إلى رأس العين على دراجة نارية رفقة ولديه، لاحظ الحاجز التركي عدم وجود لصاقة رقمية على دراجته، فأحاله لعناصر الحاجز الثاني الذين عرفوا أنه لا يحمل البطاقة الشخصية التي يصدرها المجلس المحلي الموالي لتركيا في المدينة.
إحالة بدر إلى فرع أمني للفصائل عقب توقيفه على الحواجز، دفعته لمهاتفة “أبو شجاع” الذي كان قد طلب منه الاختباء في الرقة بعد اعتقال إخوته.
وبعد لومه على المغادرة دون إذن، أرسل له من يستلمه من الفصائل مع مبلغ 500 دولار أميركي.
استهداف مقار وزرع عبوات
وبعد أيام عاود “أبو شجاع” الاتصال للسؤال عن لغم ثان كان في عهدة بدر، فأخبره أنه رمى اللغم في النهر قبل هروبه.
وزاد “أبو شجاع” 800 دولار كثمن للغم الذي تم رميه في النهر إلى ديون بدر التي بدأت تكثر.
يقول بدر: ” قال لي تسدد غداً 2600 دولار، قلت ليس لدي، قال بلا 100 أرسل 2500.”
وأضاف: “بدأ يهددني بالقول أنت خائن يجب تصفيتك، نرسل لك لغماً فترميه أو تفجره في خرابة.”
بعد أيام، طُلب من بدر أخذ ألغام إلى الرقة، “قلت له سأواجه الإعدام هناك ولا معيل لولديّ الاثنين غيري، قال تشتغل أو تدفع ديونك.”
أخذ بدر لغماً إلى منطقة الشنينة، 20 كم شمال الرقة، صور عملية زرعه وأرسل التصوير.
وتقضي آلية عمل عناصر الخلية المرتبطة بالاستخبارات التركية إرسال التصوير مرفقاً بتاريخ اليوم والمنطقة المستهدفة، إلى جانب شيفرة خاصة لأبو شجاع الذي لا يعرف أحد من أعضاء الخلية هويته الحقيقية، بحسب اعترافات المعتقلين.
العملية التالية كانت استهداف مركز لقوى الأمن الداخلي (الأسايش) في الرقة، وبدر هو المنفذ.
“أرسلوا لي موقع القاذف، جئنا أنا وصالح، عثرنا عليه مع حشوتين وأربع قنابل يدوية، ضربنا المبنى فجراً بقذيفة وهربنا.”
وكانت العملية الأخرى زرع عبوة وتفجيرها عندما تمر سيارة عسكرية، كان بدر المنفذ وياسر مكلفاً بالتصوير.
يقول ياسر: “في البانوراما (في الطرف الجنوبي الغربي لمدينة الرقة) لم تنفجر، أخذناها إلى شارع الباسل (في الطرف الغربي لمدينة الرقة) لم تنفجر أيضاً لأن العبوتين كانتا معطلتين.”
وتم تكليف بدر لاحقاً بدفن العبوتين في موقع محدد مع وصل جهاز تفجير، وإرسال تصوير بالفيديو.
وتم القبض على بدر في تلك العملية، ليستدرج ياسر بالاتفاق مع القوى الأمنية ليقبض عليه أيضاً في حديقة “جواد أنزور” في المدينة.
وذهبت دورية لإحضار عبد الكريم الذي كان ينتظر عودة ياسر بعد تسليم العبوات لبدر.
يقول ياسر، الآن، إنه يفكر في زوجته وأولاده وأمه الذين جنى عليهم أخوه صالح بتوريطه في هذه العمليات.