تجاهل حكومي رسمي لمواجهة ظاهرة “الرصاص الطائش” في سوريا
دمشق ـ نورث برس
لا يستطع والد عهد حسن الذي قضى برصاصة طائشة، أن يستوعب الطريقة التي رحل فيها ابنه اليافع، ويقول إذا كان الموت هو قضاء الله وقدره، فإن طريقة موته شكلت له صدمة لا يرى علاجاً لها.
وكان عهد يتابع الألعاب النارية والاحتفالات بصحبة أمه وأخيه على سطح بيته في ريف دمشق يوم رأس السنة، عندما أصيب بطلق ناري في رأسه أرداه في الحال.
ويضيف الأربعيني والد عهد، أنه مع تكرار هذا الفعل أصبح يرى الموضوع وكأنه نابع من التربية “اللاأخلاقية” وأنه رغم كل الضحايا لا يوجد أي ردة فعل إيجابية لصالح إيقاف هذه الظاهرة أو التخفيف منها.
ويقول أيضاً، إن الكارثة الكبرى تكمن في عدم الاهتمام الرسمي على كل المستويات بمنع هذه الظاهرة.
لكل مناسبة حصتها
لكل مناسبة في سوريا ضحاياها، فكما أن الموت يومي من الحرب وكورونا والأمراض التي لم تعد تجد لها علاجاً، هنالك الموت في الأفراح.
وشهد هذا العام أكثر من مناسبة وفي كل منها سجل العديد من الضحايا، وفي وصف ما يحدث، قال البعض إنه يتخيل لك عقب كل مناسبة أن هنالك معركة يستخدم فيها حتى الرشاش إضافة إلى المسدسات والبنادق.
ففي رأس السنة الميلادية يتكرر الاحتفال في هذا الحدث كل عام، ويقول البعض ممن هم في صفوف القوات الحكومية إن “ما يطلق من رصاص في هذه المناسبة يكفي لحسم معارك مع الأعداء.”
كان من ضمن المناسبات الإضافية هذا العام نتائج الانتخابات الرئاسية حيث أمطر المحتفلون البلد رصاصاً بطولها وعرضها.
وفي الانتخابات التي سبقت هذه في عام 2014 تداولت بعض وسائل الإعلام حينها، أن عدد الضحايا وصل إلى 70 شخصاً، الأمر الذي دفع بالجهات المعنية للتشدد في منع إطلاق النار عند أداء اليمين الدستورية، وتبين عندها أنه يمكن قمع هذه الظاهرة عندما يوجد قرار بذلك كما قال متابع للشأن السياسي في سوريا فضل عدم ذكر اسمه لنورث برس.
جاء بعد مناسبة الانتخابات لهذا العام نتائج كل من البكالوريا والإعدادية مؤخراً، وكان لكل منهما ضحاياه أيضاً، وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبر قتل أب لابنه وهو يحتفل بنجاح ابنه الآخر في الإعدادية بإطلاق الرصاص.
وإذا كان البعض يعد النجاح في الثانوية أمراً مصيرياً يمكن تفهم الاحتفال “الهمجي” به، لكن الاحتفال بذات الطريقة عند النجاح في الإعدادية يلقى الكثير من الاستهجان فكيف عندما يترافق بضحايا.
“آسفة يا أمي”
الحادثة التي أثارت الرأي العام كانت وفاة الطفل محمد سويدي من حماة الذي يرقد في سريره الموضوع إلى جانب النافذة، فاخترقت رصاصة طائشة النافذة واستقرت في عنقه من شخص يحتفل بنجاح ابنه في الإعدادية.

ونعت والدة الطفل ابنها الصغير بكلام مؤثر: “ماما أنا أسفة أني نيمتك جنب الشباك، ماما أنا أسفة أني نسيت أنو اليوم نتائج التاسع والعالم رح تحتفل بالرصاص، سامحني يا ماما وحقي وحقك مارح يضيعوا عند أحكم الحكام، انبسطوا وعيشوا فرحة النجاح وأنا من اليوم خلص عمري.”
وقد ألقى الكثير باللوم على الجهات الرسمية في ظاهرة الرصاص الطائش في الاحتفالات، حيث تغض تلك الجهات الطرف عن استخدام الرصاص للفرح، ففي حين استغرب الإعلامي أيمن إبراهيم من دمشق من التغاضي الحكومي المريب عن مطلقي النار بهذه الكثافة، والاستهتار والهمجية، قال خالد أبو فخر لنورث برس إن “مطلقي النار هم السلطة ذاتها.”
احتفالات ” الهمج”
وتكرر مصطلح “همج” على الكثير من صفحات التواصل الاجتماعي في وصف مطلقي الرصاص الحي للاحتفال، خاصة أن المجرم الذي يتسبب بأذى للآخرين يظل مجهولاً وطليقاً.
وتناول عارف دليلة وهو مفكر اقتصادي وسياسي، ظاهرة الرصاص العشوائي وقد وصف ما يحصل ومن يقومون به “بالهمج” على صفحته.
وأشار إلى أن “ملايين الرصاصات التي تملأ الأجواء للاحتفال دفعت السلطة ثمنها من حرمان الشعب من جميع شروط البقاء، لاستخدامها مع البندقية التي أطلقت منها وحاملها في الدفاع عن لا شرعيتها، إذ سقطت على هذا الطفل البريء (محمد سويدي) رصاصة نازلة من السماء فمنعته ومنعت والديه من الفرح برجولته وإنجازاته!.”
وأضاف “دليلة”، أنه “نقلت الصحف صورة طفل بريء آخر فقد حياته بطلقة من والده الهمجي المسلح الأحمق عندما عبر عن بهجته بفوز أخيه الأكبر بشهادة الإعدادية.”
وقال الخبير إن السلطات “المطلقة الغاشمة” وأصحاب الثروات غير الشرعية السوداء الذين يفعلون المستحيل “لتحويل جميع المواطنين المجوعين على أيديهم إلى مقاتلين همج مهووسين حمقى لا يعرفون كيف يعبرون عن الفرح، الذي لا يتقنونه، إلا بإطلاق رصاص يكفي ثمنه لإشباعهم خبزاً، حتى وإن كان من النوع الذي تأنفه البهائم، إلا بقتل الأبرياء، حتى من أبنائهم.”