مزارعون في إدلب يسقون مزروعاتهم من الصرف الصحي
إدلب – نورث برس
يروي عشرات المزارعين في منطقة سهل الروج غرب إدلب، شمال غربي سوريا، محاصيلهم الصيفية من مجاري الصرف الصحي رغم معرفتهم بالمخاطر الصحية والبيئية لذلك، معيدين السبب لغلاء وقود المازوت (الديزل).
وبالقرب من إحدى مجاري الصرف الصحي في منطقة سهل الروج، يمتلك المزارع مدين الحسن (43 عاماً) ثلاث دونمات من الأرض يزرعها صيفاً بخضراوات، ويعتمد في سقايتها على مجاري الصرف.
ويعلل المزارعون قبولهم بالضرر بالارتفاع “الكبير والمستمر” لأسعار المحروقات وعدم قدرتهم على تحمل أعباء تشغيل المولدات على الديزل.
ورغم أن ظاهرة سقاية المحاصيل من الصرف الصحي ليست بجديدة، لكنها ازدادت خلال السنوات الأخيرة الماضية مع ارتفاع أسعار المحروقات وتكاليف الزارعة لأضعاف.
وتستورد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) المشتقات النفطية من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي من خلال شركة “وتد للبترول” التابعة لها والتي تحتكر سوق المحروقات في مناطق شمال غربي سوريا بشكلٍ كامل وتتحكم بأسعارها.
وترفع “وتد للبترول” أسعار المشتقات النفطية بشكل مستمر، وتتذرع بأن الارتفاع يأتي نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.
والخميس الماضي، رفعت الشركة أسعار المحروقات والغاز للمرة الخامسة خلال أقل من شهر، حيث وصل سعر الليتر الواحد من المازوت المستورد-نوع أول إلى 7.19 ليرة تركية، فيما وصل سعر ليتر المازوت المستورد-نوع ثاني إلى 6.71 ليرة تركية.
وأثار قرار رفع أسعار المحروقات موجة غضب واستياء بين سكان ونازحين يعانون أساساً من أوضاع معيشية واقتصادية متدهورة.
مخاطر صحية
ويقول “الحسن” إن الارتفاع الكبير بأسعار مادة الديزل الذي تحتاجه المولدة لضخ المياه أجبره على ري محاصيله من مجرى الصرف الصحي الذي يمر بجانب أرضه.
ولا ينكر المزارع معرفته بالمخاطر الصحية التي قد تسببها تلك المياه “إلا أنني مضطر على ذلك وخاصة أن ما تنتجه هذه الأرض هي مصدر رزقي الوحيد في ظل قلة فرص العمل.”
ويرى مزارعون في إدلب أن أسعار المحروقات مرتفعة ولا تتناسب مع مبيعات مزروعاتهم، في ظل منع هيئة تحرير الشام دخول المحروقات إلى إدلب من مناطق أخرى خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا في سوريا.
وبحسب سكان محليين، فإن هيئة تحرير الشام ومن خلال منع توريد الوقود من خارج مناطق سيطرتها، تتمكن من عدم تخفيض هامش الربح الذي تجنيه خلال تحكمها بسوق النفط.
وحذر أنس دغيم، وهو مدير دائرة الرعاية الأولية في مديرية صحة إدلب، من استخدام مياه الصرف الملوثة لسقاية المحاصيل، وقال إنها قد تسبب الحمى التيفية بسبب احتوائها على البكتيريا الضارة التي تتجاوز أعدادها الملايين.
كما قد تسبب فقر الدم لدى الأطفال، بالإضافة إلى أن بعض العناصر المتواجدة في مياه الصرف الصحي كالنيكل والكادميوم والزينك والرصاص، قد تؤدي إلى حدوث تأثيرات صحية سلبية على المخ والأعصاب والكلى والأسنان إلى جانب مخاطر الإصابة بأمراض القلب والدم، بحسب “دغيم”.
ويؤدي وصول الصرف الصحي إلى المحاصيل لزيادة نسبة النترات في ثمارها، حيث أن بعض النباتات تخزن النترات بنسبة كبيرة في أنسجتها مثل السبانخ والخيار والفجل والفاصولياء وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان طعم ولون الخضراوات، بحسب “الدغيم”.
أسعار أقل
ومنذ بداية الموسم الحالي للخضراوات، يعتمد دريد الحاج نعسان ( 51عاماً)، وهو نازح من جنوب شرق إدلب ويسكن في قرية الغفر بسهل الروج، على مجاري الصرف الصحي لري المزروعات الصيفية التي قام بزراعتها بالقرب من منزله.
ومنذ نزوحه قبل أربعة أعوام، اعتاد “نعسان” على زراعة الخضراوات في قطعة من الأرض التي لا تتجاوز مساحتها نصف دونم، حيث توفر حاجة عائلته منها البالغة عشرة أفراد.
وكان يعتمد النازح سابقاً على شراء المياه من الصهاريج الخاصة لسقايتها وذلك مرة كل شهر، إلا أنه توقف عن شرائها بعد أن شهدت أسعارها ارتفاعاً كبيراً ووصل إلى نحو 80 ليرة تركية (ما يعادل نحو30 ألف ليرة سورية) لكل صهريج يحوي قرابة 25 برميلاً من المياه.
ومع ارتفاع المحروقات، يشير “نعسان” إلى أن ” لم يتبق سوى سقايتها من الصرف الصحي”.
ويشتكي مزارعون يعتمدون على مياه ري يتم استخراجها عبر مضخات تعمل على المازوت من استخدام آخرين لمجاري الصرف الصحي، إذ أن أسعار الأخيرة تكون أقل من محاصيلهم.
ويقول يوسف القطني (38 عاماً)، وهو مزارع من سهل الروج، إن أسعار الخضراوات هذا العام كانت منخفضة مقارنة بالسنوات الماضية، حيث “تعرضنا لخسائر كبيرة لا سيما في محصولي الخيار والبندورة.”
ويشير إلى أن تكاليف الزراعة المرتفعة من شراء مادة المازوت والأسمدة والأدوية التي تشهد ارتفاعاً وعدم قدرة المزارعين على تأمينها أثر على كمية الإنتاج، وذلك وسط وجود “أسعار منافسة” في السوق لمزارعين يعتمدون على مياه الصرف الصحي في الري.