الفقر وسوء القطاع الصحي في الحكومة السورية يرفع أعداد الضحايا اليومي

دمشق ـ نورث برس

ظلت الموظفة اكتمال يونس (45 عاماً) في القطاع العام تغض الطرف عما تراه من تغيير في شكل رقبتها بعد غدة أصابتها لمدة أربع سنوات، لأنها كما تقول لنورث برس، إنها لم تكن مستعدة لمعرفة حالتها والدخول في دوامة المرض وتكاليف علاجه.

وأصبح وضعها الصحي ملحاً، وحالما اجتاز ولدها امتحان الثانوية العامة، راجعت الأطباء في منطقة سكنها بريف حماة، وما كانت تهرب منه أصبحت في مواجهته.

أخبرها الأطباء الذين راجعتهم أن حالتها تحتاج لدراسة وبأنها غير مطمئنة، وأن عليها الخضوع لمزيد من الصور الشعاعية والتحاليل غير المتوافرة في المحافظة، وأن خيارها شبه الوحيد التوجه إلى العاصمة دمشق.

وكانت المشكلة أنه حتى في دمشق انحصرت خياراتها بين الاصطفاف في طوابير المنتظرين  لدور في مشفى البيروني الحكومي، وبين مشفى خاص من فئة النجوم الكثيرة الذي لا طاقة لها بدخوله.

قصة “يونس” يواجهها يومياً الكثير من سكان سوريا، فبعد الذي تعرض له القطاع الصحي والطبي من استنزاف يومي بدأت تظهر نتائجه كل يوم، والتأمين الصحي الذي كان يتم الاعتماد عليه رغم كل عيوبه، أصبح شبع معطل بعد ارتفاع أسعار كل شيء، واعتراض الشركات المتعاقدة على التسعيرة المحددة.

حصاد يومي للأرواح

يدور سكان سوريا في حلقات مفرغة، بين ظروف حياة تسبب لهم المرض من سوء تغذية وطرق حياة غير صحية، ومن صعوبة حصولهم على العلاج عند المرض، ليرتفع معدل الضحايا يومياً منذ عشر سنوات رغم تباين الأسباب.

تروي واحة الدوس (35 عاماً) وهو اسم مستعار لإحدى سكان دمشق، قصة والدتها التي أصيبت حال دخولها سوريا قادمة من الخليج بمرض كورونا، وعندما تراجع وضعها الصحي أدخلت إلى أحد المشافي الخاصة التي تتقاضى يومياً من كل مريض يدخل العناية مبلغاً يصل إلى 4 ملايين ليرة.

تقول الابنة لنورث برس، إن والدتها فارقت الحياة بعد يومين، والمشكلة لم تكن في المبلغ الذي وصل إلى أكثر من 6 ملايين مقابل بقاءها يومين في العناية المشددة، بل في سوء الخدمات الطبية التي قدمت لوالدتها في المستشفى.

يقول أحد الأطباء الذين غادروا هذا المشفى بعدما عمل به لسنوات، إنه شهد التراجع الكبير في سوية خدماته، وفي سوية الأطباء الذين يتم التعاقد معهم.

ويشير إلى أنه في السابق كانوا يضعون شروطاً محددة للأطباء الذين سيعملون في المشفى، أو يتم التعاقد معهم، أما الآن فأهم الشروط هي أن يوافقوا على العمل برواتب متدنية.

هذا الحال لا يقتصر على هذا المشفى، فأعباء التداوي في المشافي الخاصة أصبح حصراً على فئة محدودة جداً في سوريا، مثلاً يطلب مشفى يتبع لمنظمات أهلية مبلغاً يصل إلى مليون ونصف عن كل ليلة عناية.

وتشدد إحدى الممرضات التي عملت في مشاف خاصة، على أنه في البداية كان هنالك اهتمام بتأمين عوامل الحماية من كورونا كالمعقمات والكفوف، وتبديل الثياب المعقمة بشكل دائم أما مؤخراً فقد اختلف الأمر، وأصبحوا يركزون على تقليل الإنفاق قدر الإمكان.

الحال ذاته

تعاني مشاف الدولة من ضغط كبير في عدد المراجعين بسبب خروج أعداد كبيرة من المشافي الحكومية من الخدمة من جهة، وبسبب ارتفاع تكاليف العلاج في المشاف الخاصة مع وضع اقتصادي يكاد يصل حالة الانهيار.

كما تعاني المشافي من نقص في كل شيء، حيث هجرة الكثير من الأطباء وتقاعد الممرضات وترك العمل بسبب انخفاض الأجور والضغط الكبير في العمل.

وتشير إحصائيات غير رسمية، إلى أن القطاع الصحي في سوريا خسر الكثير من كوادره، وأن نسبة الأطباء الذين غادروا البلد خلال سنوات الحرب يصل إلى نحو 20% من أصل عدد الأطباء البالغين 30 ألف طبيب قبل 2011. 

وإلى جانب النقص الكبير في المعدات والأدوية، ذكر الكثير من الأطباء من اختصاصات مختلفة أن نوعية الأدوية التي تصل سوريا أقل جودة، ونتائج العلاج فيها لم تكن كما يجب.

وتقتصر مصادر الأدوية الحالية على إيران والهند وروسيا، إضافة للدواء المنتج محلياً والذي يعاني الكثير من المشاكل أيضاً بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الناتجة عن ارتفاع تكاليف المواد المستوردة.

بديل سيء

يروي سامي إسماعيل (50 عاماً) وهو اسم مستعار لمهندس مدني في دمشق ما حصل مع زوجته التي أصيبت بمرض سرطان الدم، وذكر أنها تعالجت في المرحلة الأولى من العلاج وتحسنت حالتها وعادت إلى عملها.

ولكن حالتها الصحية تدهورت مجدداً، وعندما عادت ثانية إلى المشفى كان الدواء الأوروبي الذي عولجت به في المرة الأولى غير متوافر، الأمر الذي دفع الكادر الطبي لإعطائها البديل عنه.

ولكن تبين أن الدواء البديل الذي طبِّق عليها تسبب بموتها لأنه “تسبب بتوقف نقي العظم عن إنتاج الكريات الحمراء، وأصبحت تحتاج لنقل دم يومي لم يكن متاحاً أيضاً، ففارقت الحياة في الخمسين من عمرها.”

ومن المشاكل التي تعانيها المشافي أيضاً كما تقول إحدى الإداريات في مشفى حكومي لنورث برس، أنه تم حصر استيراد الأدوية وتأمينها عن طريق وزارة الصحة، لتخفيض التكاليف والنفقات.

“وهذا الأمر يتسبب بنقص كبير في أغلب الأدوية التي تحتاجها المشافي حتى الأدوية الإسعافية منها، وغالباً ما يطلب من الأهل إحضار أدوية على حسابهم الخاص للتعامل مع حالة إسعافية”، بحسب الإدارية.

يقول أحد مرضى السكري في دمشق، إنه اضطر للاستنجاد بأحد أقاربه المقيمين في السويد ليرسل له دواءً خاصاً بترميم الغضاريف لمرضى السكري، لأنه لم يجد الدواء في سوريا ولبنان.

ويشير إلى أنه لو امتثل لطريقة العلاج التي وضعوها له هنا “لكان الآن مقعد بشكل نهائي.”

لكل هذا وذاك يقول سوريون إن وقعَ خبر المرض لأي فرد في أي أسرة أشبه بـ”الكارثة” مع نقص كل شيء.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي