أسراد الإنسان على لسان الحيوان أو في “سيرة حمار” لـ”حسن أوريد”

القامشلي ـ نورث برس

السرد على لسان الحيوان، لسان حالٍ لغرض عرْضٍ أو عارض أو تمثيلٍ لأوضاعٍ متردية ومتهالكة، شيِّنة وناقصة. وإدارتها وتوظيفها في شكل رمزي، يسمح للحيوان أن يطرح تساؤلات، تتفق أو لا، وتتنافس بصدد شؤون مختلفة في مجالات متعددة، تعرض المزايا والعيوب ليتأثر بها الإنسان ويقارن فعلها بفعله عن طريق التعايش مع سردٍ يتخيَّله.

وقد أطلق على هذا النوع من الأدب، تسمية “أدب الحيوان”، أي، قصص رمزية يحرك وينطق فيها كاتبها حيواناته كما يشاء، وبما يريد، والهدف من ذلك: قول ما لا يستطيع قوله على لسانه، أو على لسان إنسان آخر، لأسباب تمنعه من التصريح، فيذهب منه مذهب التمليح.

وربما، كانت ترجمة “بن المقفع” سبباً في نشوء هذا النوع من الفن الأدبي في اللغة العربية، خاصة، والعالمية، بشكل عام.

وقد شغف الكتاب والشعراء والفنانون وسواهم بمحاكاة “كليلة ودمنة” فأخذوا ينسجون على موَّاله ومنواله. فمنهم من حذا حذوه فألف واستهدف، ومنهم من ابتدع فأبدع. ورواية “سيرة حمار” من ذاك النوع من الفن الأدبي الجديدة.

وفيه، يقوم السرد على مقامٍ قوامه الحمار، ويتداخل معه شخصيات متباينة من عالم البشر، وعلى كاهله تصير السردية، وتسير السيرة، فمظهر الحمار ظاهر في مقابل شخوص إنسانية باطنية، والراوي يقنعنا أو يوهمنا أننا أمام شخص إنساني يتبدى في صورة حمار يتصرف ويتكلم ويجادل ويتألم ويتأمل كما يفعل الإنسان.

“سيرة حمار”، وهي سيرة أذربال، الذي تربى في أحضان مدينته، ثم ينتقل إلى الحواضر الكبرى ليستكمل تكوينه، وينال حظاً واسعاً من الفلسفة والمعارف الأخرى، ويحتك بكل أساليب الفكر، ليعود بعدها إلى بلاده، وينخرط في الشأن العام، لكن خلفيته الأكاديمية أخذت تصرفه إلى البحث عن الحقيقة ليقع في ارتكاب المحرم ويتحول إلى “حمار”.

هذا التحول، كما يقول المؤلف، جعل هذه الشخصية تعيش وضعاً مضطرباً موزعاً بين حالة إنسانية تستطيع أن تفكر ووضع حيواني لا يقدر فيه على البوح بما يموج ويدور في فكره، ليعيش مراحل متعددة ومليئة بالمخاطر قبل أن يعود إلى أصله.

وهذا السفر، حسب المؤلف: “لم يكن جغرافياً في المكان، ولكن سفراً ذاتياً لاكتشاف الذات، ذاتنا، مبرزاً أن هذا العمل الأدبي يتضمن تقاطعات مع ثقافات معينة فيما يخص ارتكاب المحرم، وأن النزوع الحيواني جزء منَّا فهناك حرب ضروس يتعين خوضها للتغلب على هذا الجانب. كما أن للنص انخراط وحضور قوي في الحاضر، للإجابة عن القضايا الكبرى المطروحة راهناً.

هذه خطوات مختصرة للمسافة التي بين ما هو متوقَّع وما هو موجود، في السيرة.

ولتبقى عبارة “نيتشه” حاضرة، كونها كشفٌ عن عمق الرواية، وانتماء فيما بينهما، “لقد اعترضتني من المخاطر بين الناس ما لم أجد مثلها بين الحيوانات.”

إعداد وتحرير: محي الدين ملك