أعباء عمال المياومة في دمشق وسط ازدياد أعدادهم وقلة العمل

دمشق – نورث برس

 يحاول خالد زين الدين (51 عاماً)، وهو عامل مياومة في دمشق، إقناع عامل آخر يقف معه في إحدى الساحات، بأنه لا يمكن لوم العمال الذين يرضون هذه الأيام بالعمل بأجر منخفض، وذلك بسبب ازدياد أعدادهم ونقص العمل وسط التدهور الحاد للظروف المعيشية في العاصمة وباقي مناطق سيطرة الحكومة.

وقال، لنورث برس، إن قلة العمل يدفع بعض العمال للقبول بأجور منخفضة، رغم جهود عمال آخرين في منطقته الاتفاق على توحيد الأجرة بشكل دائم، حتى لا يتضرر أي منهم.

ويعتقد العامل أنه يصعب لوم الذين يرضون بأجور قليلة، “فتأمين ربطة الخبز أوجب من الاتفاق، والظروف الصعبة تفرض نفسها على كثير من أرباب العائلات.”

وتعد فئة العمال المياومين إلى جانب موظفي الحكومة من أشد فئات المجتمع تضرراً من الأزمة المعيشية وسط وازدياد أعداد العاطلين عن العمل وقلة الفرص.

يصف “زين الدين” حال العمال المعتمدين على أعمال بأجر يومي، بأنه “إذا وجدنا عملاً سنأكل، وإن لم نجد سنبقى بلا طعام، وما أكثر تلك الأيام.”

وقبل ثمانية أعوام، وجد العامل “زين الدين” نفسه واقفاً في ساحة البريد في بلدة صحنايا بعد أن خسر منزله وسيارة الأجرة التي كان يعمل عليها في إحدى الاشتباكات في بلدة داريا، منتظراً أن يطلب منه أحد السكان العمل في تحميل الأثاث أو عتالة المواد مقابل بعض المال.

وتحولت العديد من ساحات دمشق وبلدات الريف من مناطق للاستدلال على العناوين وفسحات تخفف من الازدحام، إلى أماكن تجمع لعشرات الرجال والشباب والمراهقين الذين يبحثون عن أي عمل يمكن أن يؤمن لهم قوتهم، فتراهم يجرون مع أي سيارة تصل المكان وتطلب عمالاً.

عمل قليل

وذكر “زين الدين” أنه مع مرور السنوات بدأ العمل يقل وأعداد العمال ترتفع، ما زاد صعوبة تأمين دخل كافٍ لتأمين احتياجات أسرته التي تزداد قيمتها المالية يوماً بعد آخر.

وارتفعت أعداد العاطلين عن العمل في سوريا متأثرةً بالحرب وموجات النزوح الداخلية، وتجاوزت البطالة نسبة 50% من السكان، بحسب تقارير، بعد أن كانت في حدود 10% في العام 2010.

وترافق هذا الارتفاع في نسبة البطالة مع انخفاض في قيمة الليرة، حيث تراجعت أمام الدولار الأميركي الواحد من 45 ليرة سورية للعام 2010 إلى نحو 3.200 ليرة حالياً بمعدل 71 ضعفاً، في حين ارتفعت أسعار المواد الأساسية وإيجارات المنازل بنسب أعلى من هذه.

 وشكل العام 2020 الانعطاف الأًصعب في وضع العاملين المياومين في العالم عموماً وفي المناطق التي تعاني أزمات سابقة خصوصاً.

وقال زيد عبد الله (31 عاماً)، وهو عامل كان يقف عند مفرق برج الرؤوس في حي القصاع بحثاً عن عمل ، إنه عندما لا يحصل على عمل مع ورش البناء، يقضي يومه منذ الصباح الباكر حتى مغيب الشمس على الرصيف إلى جانب العديد من الشباب والرجال من مختلف الأعمار في انتظار فرصة ما.

وأضاف أنه يقصد حي القصاع لقربه من سوق الهال، “ولأن سكانه من ميسوري الحال.”

ويأمل العامل الحصول على عمل في نقل أثاث منزل ما، أو توصيل بعض المواد الثقيلة إلى الطوابق المرتفعة، أو تفريغ بضاعة في أحد المستودعات.

“عمل مجهد”

والعام الماضي، ترافقت موجة الغلاء التي ضربت المدن السورية مع الإغلاق العام ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء كورونا، لتعقبها أزمات نقص المواد الأساسية ولا سيما الخبز والمحروقات.

وأشار “عبد الله” إلى أنه يفضل الاستقرار في عمل ما، لكن هو مضطر لبذل كل جهده، خاصة وأنه يتحمل تكاليف علاج والدته المصابة بداء السكري.

وإلى جانب ارتفاع نسبة البطالة وتدهور قيمة الليرة تأثراً بالحرب، فقد شكل نزوح ٦.٢ مليون شخص ضمن حدود سوريا سبباً لتعاظم الفقر وفقدان السكان لمنازلهم ومصادر عيشهم.

ويضاف إلى ذلك ارتفاع نسبة المصابين من جراء العمليات العسكرية والعنف المنتشر، حيث بلغ عدد الذين تعرضوا لبتر لأحد أطرافهم حتى العام ٢٠١٨ بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، ٨٦ ألفاً، شكل هؤلاء إحدى الفئات الأشد ضعفا والأكثر تضرراً من الحرب.

ونزح حسين عبد الواحد (67عاماً) وهو عامل مياومة يقف في ساحة العمال في بلدة جديدة عرطوز، مع عائلته من جبل الزاوية جنوبي إدلب نتيجة تدمير منزلهم بالقصف، وإصابة ابنه ما أدى لبتر يده.

وذكر “عبد الواحد” أن ذلك دفعه هو وابنه “عمر” للعمل في محاولة لتأمين احتياجات الأسرة وأسرة ابنه المصاب.

وأضاف “عبد الواحد” أنهم يجدون صعوبة بتحمل أجار المنزل المكون من غرفتين والذي يقطنه ٧ أشخاص إضافة لتكاليف تعليم أحفاده.

وأشار إلى أنه رغم تقدمه في السن فإنه لا مفر من العمل المجهد في العتالة أو البناء، “فمن غير المعقول” أن يبقى أحفاده من غير طعام أو تعليم خاصة بعد أن فقد والدهم القدرة على العمل.

إعداد: رغد العيسى – تحرير: حكيم أحمد