السويداء – نورث برس
بعد خضوعه لجلسات علاج منتظمة استمرت شهرين لدى طبيب نفسي إلى جانب دعم عائلته، أقلع رجب الفاضل (27عاماً) وهو اسم مستعار لشاب من مدينة السويداء، جنوبي سوريا، عن تعاطي مادة الحشيش.
وكان ذلك قبل عام، إذ تدهورت صحته وبدأ يعاني من مشاكل صدرية وهضمية أفقدته عشرة كيلوغرامات من وزنه، بالإضافة إلى زيادة الحالة العصبية لديه وحصول اضطرابات نفسية شديدة جعلت الكثير من أصدقائه يتجنبون مخالطته والجلوس معه.
وتنتشر في السويداء ظاهرة تعاطي الحشيش والحبوب المخدرة مثل الكبتاغون، في ظل افتقار المنطقة لأي مراكز حكومية لمعالجة حالات التعاطي. ويرى سكان أن ذلك يعد سبباً رئيسياً لعدم التعافي وازدياد انتشار تلك المواد.
وكانت الحرب السورية المستمرة منذ عشر سنوات وما رافقها من انفلات أمني، من أهم عوامل انتشار وترسخ تعاطي المواد المخدرة بشكل شبه علني.
ومنذ عام 2017، بدأ الشاب بتدخين الحشيش، وذلك إثر توفره “بكثرة” في السويداء، إلا أنه الآن أمسى مختلفاً صحياً ونفسياً، على حد قوله.
وتكمن المخاطر الحقيقية في تفشي والترويج للمخدرات بتدمير الأشخاص صحياً، حيث تزايدت حالات التسمم الدموي وارتفعت معدلات سرطان الرئة والمعدة وتدهورت الصحة النفسية لعشرات اليافعين، بحسب أطباء من السويداء.
وتأتي الآثار المادية والاقتصادية في المرتبة الثانية، حيث زيادة حالات الإفلاس والإفتقار المادي العام للسكان وتضخم معدلات السرقات لدى الشباب المتعاطين بعد أن تركوا مهنهم التي كانوا يزاولونها وتوجههم إلى السرقة للحصول على المال.
ويبلغ سعر سيجارة الحشيش الجاهزة من نوع (حمراء طويلة مدكوكة) ثمانية آلاف ليرة سورية، فيما يبلغ سعر حبة الكبتاغون ١٧٠٠٠ ليرة.
استهداف فئة الشباب
وبحسب فضل الصالح (50عاماً) وهو اسم مستعار لمرشد نفسي يعمل في الحقل الإنساني في منظمات المجتمع المدني بالسويداء، فإن المخدرات تنتشر أكثر بين فئة اليافعين والشباب وخاصة الأعمار التي تتراوح بين 14 و27عاماً.
ومنذ عام 2015 وحتى عام 2021، بلغت أعداد اليافعين والذين كان “الصالح” يتابع حالتهم الصحية، وطبيب نفسي آخر كان يتعاون معه في مدينة السويداء فقط، 90يافعاً وشاباً.
لكن الأعداد الحقيقية في السويداء تتجاوز ذلك “بكثير”، بحسب الطبيب.
وأشار إلى أن بعض الحالات التي قام بمتابعتها والعمل على استشفائها تعرضت إلى النكوص الاستشفائي ومعاودة تعاطي الحشيش لأسباب أرجعها إلى عدم تعاون العائلات وافتقار المنطقة لمراكز معالجة المدمنين.
وكل ما يحدث من متابعة لبعض الحالات هي “اجتهادات فردية” من قبل بعض الأطباء والمرشدين النفسيين وذوي المتعاطين.
وبلغت عدد الحالات التي سجلت في عيادة سمير الرمحين (40عاماً) وهو اسم مستعار لطبيب نفسي لمتعاطي الحشيش وحبوب الكبتاغون المخدر منذ 2017، 44 حالة، تراوحت أعمارهم بين 15 و25 عاماً.
وقبل نحو أسبوع ، ألقت قوى الأمن الداخلي في السويداء القبض على خمسة يافعين لا تتجاوز أعمارهم الـ18 عاماً، وهم يتعاطون سجائر الحشيشة في إحدى البنايات التي لم يستكمل بناءها، حيث يلجأ متعاطون إلى أبنية سكنية قيد الإعمار وعمارات على الهيكل (قيد الإنجاز) لتعاطي تلك المواد، بحسب سكان محليين.
اتهامات
واتهم “الرمحين” ومتعاطون، فصائل حزب الله بأنها هي من تدخل “الحشيشة البعلبكية” (نسبة إلى منطقة بعلبك بلبنان) إلى السويداء بغرض الترويج لها بين الشباب ونقل كميات كبيرة منها إلى الأردن.
وتدخل شاحنات محملة من لبنان إلى دمشق ثم السويداء ودرعا، وفقاً لما ذكره مروجون لنورث برس.
وبحسب تصريحات سابقة لضباط متقاعدين ومنشقين عن القوات الحكومية لنورث برس، فإن منطقة اللجاة التي تتوسط درعا والسويداء، تشهد نشاطاً أمنياً وعسكرياً لافتاً من قبل قوات حزب الله اللبناني وعناصر تتبع له ممن تم تجنيدهم من أبناء المنطقة.
ووفقاً لهؤلاء فإن حزب الله يتمركز في سبع قرى أساسية في منطقة اللجاة.
وفي كانون الثاني/ يناير العام الماضي، كانت وزارة الداخلية في الحكومة السورية، قد ضبطت كمية تقدر بطن ونصف من حبوب الكبتاغون ومادة الحشيش، مهرّبة ضمن سيارة لنقل الخضار بين محافظتي درعا والسويداء، بحسب موقع الوزارة.
وفي آذار/ مارس الماضي، نشرت نورث برس، تحقيقاً بعنوان “من وإلى القامشلي طرق عالم المخدرات سالكة”، كشف فيه تاجر ألقي القبض عليه في مناطق الإدارة الذاتية بشمال شرق سوريا، عن وجود مسارين لدخول المخدرات إلى القامشلي، “الحشيش من لبنان والهيروين من إيران والعراق، يتم إرسال الهيروين إلى لبنان لتخفيف كثافتها ثم إعادتها مجدداً إلى سوريا.”
وأضاف التاجر حينها لمعد التحقيق: “يأتي صنفا الحشيش والهيروين المعدّل من لبنان عن طريق تجار لديهم علاقات جيدة مع عناصر حزب الله، ويدخلان الأراضي السورية بواسطتهم، لتوزّعا فيما بعد حسب الطلب.
ورأى “الرمحين” أن السويداء تتعرض “لهجمة شرسة” في الترويج للمخدرات والحشيشة وخاصة بين فئة الشباب، وقال إن هذا الاستهداف يأتي من قبل قوى خارجية إقليمية لم يحدد اسمها “وتحت غطاء وتسهيل حكومي صارخ لغايات سياسية واقتصادية”، حسب قوله.