تقنين الكهرباء وغلاء المواد يحرم ذوي دخل محدود بدمشق من إعداد المؤونة
دمشق – نورث برس
لم تتمكن لطيفة الحمد (46 عاماً)، وهي نازحة من ريف إدلب وتسكن في بيت سحم على طريق مطار دمشق الدولي، من صناعة المؤونة التي من المفترض أن توفر عليها مصاريف الطعام بعض الشيء.
وهذا العام، تخلى سكان في دمشق وخاصة ذوي الدخل المحدود عن تصنيع المؤونة نتيجة ارتفاع أسعار المواد، إضافة إلى زيادة ساعات تقنين الكهرباء التي تتجاوز 20 ساعة في العديد من مناطق ريف العاصمة.
وتعتبر صناعة المؤونة في سوريا عادة قديمة، إذ يقوم السكان بحفظ الأغذية الأساسية في مواسمها للاستفادة منها باقي فصول السنة، وذلك عبر إعدادها وتخزينها في ظروف وطرق معينة تضمن بقاءها صالحة للاستخدام.
وتتنوع صناعة المؤونة بين إعداد الحبوب والبقوليات والزيت والسمن، إلى حفظ الخضراوات مثل البازلاء والباذنجان والملوخية، وصناعة المكدوس والمربى والأجبان واللبنة.
وقالت “الحمد” إن صناعة اللبنة والجبنة والشنكليش أصبحت “تكاليفها عالية جداً”، حيث وصل سعر واحد الكيلوغرام الواحد من الجبن غير المطبوخ إلى ستة آلاف ليرة سورية، فيما وصل سعر واحد ليتر من زيت الزيتون إلى 16 ألف ليرة.
لكن المشكلة لا تقف عند غلاء هذه المواد ولا في مصروف الغاز الذي أصبح تأمينه صعباً فقط، إنما باتت تكمن في طريقة ومستلزمات حفظ المواد.
وأشارت ربة المنزل إلى أن تقنين الكهرباء “حوّل البراد إلى نملية لا يُعتمد عليها”، والبديل هو غمر هذه المواد بالزيت، لكن “الغمر يتطلب كميات كبيرة من الزيت وهو ما لا يمكن توفيره.”
واضطرت جميلة سعيد (55 عاماً)، وهي ربة منزل تسكن في بلدة الكسوة جنوب دمشق، لرمي كمية مما جهزته من مؤونة، وذلك بسبب تعفنها لعدم توفر الكهرباء.
واشتكت “سعيد” من خسارتها وخاصة أنها دفعت مبالغ لشراء الفول الأخضر والبازلاء والذرة والحليب لصناعة اللبن والجبنة، إلى جانب تكلفة إصلاح الثلاجة لحفظ المواد.
ويستذكر بحر كنعان (30 عاماً) عملية إعداد المؤونة لفصل الشتاء، حيث كانت نساء الحي يجتمعن ويجلسن حول “الدست” وهو وعاء كبير لسلق الطعام وطبخه، وحولهن طاولتان أو ثلاث مفروشة بحشوة من الفليفلة المدقوقة وقطع الجوز وطناجر صغيرة على الأرض وُضِعَت فوقها أحجار ثقيلة.
لكن “كنعان” يفتقد حالياً طقوس إعداد المؤونة تلك، “فهي تغيب على سكان الأحياء وحتى العائلات الصغيرة.”
ويضيف: “لا يتحمل معاش عامل شراء كيسي باذنجان قد يصل سعرهما إلى 32 ألف ليرة سورية، وحتى إن تمكن بطريقة ما من ادخار مبلغ كهذا، فلن يكون قد تجاوز سوى المشكلة الأولى.”
وتكمن المشكلة التالية في الغاز الذي أصبح تأمينه خارج البطاقة الذكية “ضرباً من الخيال”، بحسب تعبير “كنعان”، حيث وصل سعر أسطوانة الغاز المنزلي في السوق السوداء إلى 50 ألف ليرة سورية.
يحدث هذا في الوقت الذي ما زالت آلية توزيع الأسطوانات عبر البطاقة “متعثرة”، إذ يشتكي السكان في دمشق وريفها من تأخر وصول رسائل التسليم المخصصة لمادة الغاز المنزلي.
كما أن تحمل أسعار الحطب ليس بالأمر السهل أيضاً، فقد تحتاج لمئة كيلوغرام من الحطب لسلق 50 كيلوغراماً من الباذنجان، “كما أن الأولوية باستعمال الحطب تأتي للتدفئة شتاءً لا للطبخ والسلق”، بحسب “كنعان”.