سكان في ريف حماة يتهمون عناصر للقوات الحكومية بافتعال حرائق الغابات

حماة – نورث برس

يتحسر طلال النمو (41 عاماً)، وهو اسم مستعار لمالك أحد الأراضي في قرية المشرفة بريف حماة، وسط سوريا، على أشجاره التي أتت عليها الحرائق الأسبوع الماضي، واصفاً الأمر بالكابوس الذي يتجدد كل صيف.

وقام المزارع بنقل المياه وإطفاء النيران من جهة أرضه قبل وصول سيارات الإطفاء التي لم تسيطر على الحريق إلا بعد التهامها مئات الدونمات من أشجار البلوط والسنديان والصنوبر والزيتون والتفاح.

ويتهم سكان في ريف حماة مسلحين وقادة فصائل يتبعون القوات الحكومية بالوقوف وراء حرائق متكررة خلال السنوات الأخيرة، وذلك لجني أموال من بيع الفحم من الغابات التي أتت عليها النيران، بينما يتهم مسؤولو الحكومة جهات لا يحددونها عادة بافتعال الحرائق.

والعام الماضي، اجتاحت النيران مناطق واسعة من غابات وأحراج وأراض زراعية في أرياف حماة وحمص واللاذقية، وغطت مساحات كبيرة ممتدة من الشمال على الحدود التركية وصولاً إلى الأراضي اللبنانية جنوباً.

وهذا الصيف، عاد اشتعال الحرائق في وقت مبكر، وفقاً لسكان قالوا إن إجراءات الحماية الحكومية ما تزال غائبة عن مناطق وناقصة في أخرى، متهمين متنفذين في الحكومة وقادة عسكريين باستغلالها لمصالح شخصية.

وخسر المزارع “النمو” عشر أشجار زيتون وشجرتي جوز قبل أن ينجح في إيقاف امتداد الحريق لأرضه.

تجارة للفحم والحطب

وقال مكرم السلوم (37 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان مدينة مصياف غرب حماة، إن عناصر من القوات الحكومية وفصيل الدفاع الوطني ينتشرون في هذه الغابات لجمع الحطب وبيعه.

وأضاف أن هؤلاء المسلحين يهددون كل من يقوم بجولات في الغابات، بمن فيهم موظفو حماية الغابات، وذلك لإخفاء أكوام من الحطب والفحم قرب خيامهم وسط الأشجار.

ويعتقد “السلوم” أن أولئك العناصر يقفون وراء اشتعال الحرائق، لأن نقل الفحم والأشجار المتفحمة أسهل لهم من نقل الحطب أو أغصان الأشجار بواسطة الجرارات الزراعية كما يفعلون في الشتاء.

وفي أرياف حماة، تندلع الحرائق عادة في مساحات تتبع مصياف ومحردة ووادي العيون وأبو قبيس والمحروسة والصبورة وغيرها من المناطق التي تتميز بطبيعة جبلية وحراجية.

 وتتميز تلك المناطق بزراعة الأشجار المثمرة فيها كالتفاح والجوز والسنديان والبلوط، وكانت طوال عقود مقصداً لعشرات العائلات الحموية للتنزه في فصل الصيف.

ويربط “السلوم” بين تاريخ انتشار المسلحين في الغابات منذ سنوات وبداية انتشار ظاهرة الحرائق فيها.

ويقول إن حرارة الصيف موجودة في المنطقة منذ القدم، لكن الحرائق ظهرت بهذا الزخم منذ سنوات قليلة ماضية.

ونقل شهود عيان في ريف حماة قيام عناصر للقوات الحكومية ببناء منازل واستراحات في المساحات التي أتت عليها الحرائق العام الماضي.

وبلغ عدد الأشجار المثمرة المتضررة من حرائق العام الماضي مليونين و100 ألف شجرة، بحسب وزارة الزراعة في الحكومة السورية.

فرق إطفاء متأخرة

وفي نيسان/ أبريل الماضي، قالت روزا قرموقا، وهي رئيسة منصة مراقبة الحرائق والغابات في الحكومة السورية، لوسائل إعلام حكومية، هيئة الاستشعار عن بعد أعدت منصة تعمل على التنبؤ أو التحذير المبكر من خطر نشوب حرائق الغابات.

بينما أعلنت مديرية زراعة حماة، عبر صحيفة الفداء المحلية الرسمية، عن تعيين 350 عامل إطفاء وتخصيص 13 سيارة إطفاء وصهريجاً، إلى جانب مخافر حراجية لمواجهة الحرائق المحتملة.

وتم توزيع طواقم الإطفاء لتغطية مناطق كفرعقيد والمحروسة ومصياف وبعرين ونيصاف وربعو وعين حلاقيم ووادي العيون والصبورة وحماة والحمرا وحربنفسة وكفرزيتا، بحسب الصحيفة.

لكن الحرائق عادت هذا الشهر لتلتهم مئات الهكتارات من أحراج وغابات أرياف مدن اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة.

وتتذرع الجهات الحكومية بخصوص تأخر السيطرة على الحرائق بارتفاع درجات الحرارة وهبوب الرياح التي تساعد النيران على الانتشار ووعورة الغابات والمناطق الحراجية.

وقال نافع العمر (46 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان ريف حماة الغربي، لنورث برس، إن ضباطاً في صفوف القوات الحكومية باتوا يدفعون رشاوى مالية للموافقة على نقل خدمتهم إلى منطقة الحرائق في أرياف حماة أو المناطق الأخرى ليستفيدوا من بيع الحطب.

ويقوم العسكر بأوامر من ضباطهم  بحرق الغابات وجمع الأشجار المتفحمة من أجل بيعها لصناعة فحم الأراجيل بينما يتم بيع الأشجار التي تنفد من الحرق كحطب في الشتاء، بحسب “العمر”.

وأضاف أن فرق الإطفاء تتأخر بعد اشتعال أي حريق، ولا تصل إلا عند إتلاف أجزاء واسعة من الأشجار”، وذلك في إشارة إلى اتفاقات بين مسؤولين في الحكومة.

وأشار “العمر” إلى حريق غابات اللقبة بريف مصياف، “استمرت اندلاع الحرائق أسبوعاً حتى أصبحت مئات الدونمات محروقة ولم تعد صالحة للزراعة.”

اتهامات من الحكومة

ولا يعارض مسؤولون في الحكومة الحديث عن افتعال الحرائق، لا سيما أن أكثر من 150 حريقاً في أرياف اللاذقية وحمص وطرطوس خلال يومين من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.

وأدت الحرائق، آنذاك، لوفاة خمسة أشخاص وإصابة نحو 100 بحالات اختناق، بحسب وسائل إعلام حكومية.

وفي الشهر نفسه، قال موسى الجاسم، وهو قائد شرطة طرطوس، لصحيفة الوطن شبه الرسمية، إن الشرطة اعتقلت 15 متهماً بافتعال تلك الحرائق.

لكن سكاناً في ريف حماة قالوا إن بعضهم كانوا عسكريين وتم الإفراج عنهم، بينما نشر التلفزيون السوري نهاية العام الماضي اعترافات قال إنها لمتورطين في الحرائق بهدف “منفعة مادية وتمويل خارجي”، دون أن تسمية تلك الجهات.

وقبل أيام قليلة، قال مدين العلي، وهو رئيس مركز حماية الغابات في مصياف، لوكالة سانا، إن حريق غابات اللقبة هو الخامس الذي تمكنت فرق الإطفاء من إخماده في تلك المنطقة.

وأضاف: “الأمر الذي يثير الشكوك حول افتعال تلك النيران الضخمة التي تسببت بخسارة مئات الدونمات من الأشجار المثمرة والغابات المعمرة.”

وما بين الشكوك والاتهامات التي لا تعقبها إدانة علنية بمعطيات واضحة، يعتبر المزارع المتضرر طلال النمو كل الإجراءات التي اتبعتها الدولة وهمية، فهي لم توقف أحداً من مفتعلي هذه الحرائق.

إعداد: علا محمد – تحرير: حكيم أحمد