قراءات سياسية: أردوغان قد يكون آخر رئيس لتركيا الموحدة
القاهرة- محمد أبوزيد- NPA
فور الانسحاب الأمريكي، شمالي سوريا، وإعطاء واشنطن "الضوء الأخضر" لأنقرة للقيام بعمليتها التي أطلقت عليها "نبع السلام"، طُرحت جُملة من الأسئلة والسيناريوهات المرتبطة بالموقف الأمريكي، وما إن كانت الولايات المتحدة سوف تقف صامتة أمام الوضع الراهن، وقد تخلت كلياً عن الملف السوري من عدمه.
ما فاقم تلك التساؤلات هي تصريحات الإدارة الأمريكية في وقت تالٍ لبدء العملية، تحدثت فيها واشنطن عن "تدمير الاقتصاد التركي" لدى تجاوز الخطوط الحمراء، ثم قرارات بعقوبات على تركيا، الأمر الذي فاقم الغموض حول الموقف الأمريكي.
وأمام تلك التساؤلات، فإن قراءات سياسية مطروحة شبّهت الموقف التركي الحالي بموقف الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، لدى غزو الكويت (2 آب/أغسطس 1991)، والذي بعد أن تم استجراره لاحتلال الكويت، والسقوط في هذا المستنقع، تم الانقلاب عليه حتى إسقاطه.
وتماشياً مع تلك القراءة فإن "أردوغان قد يكون آخر رئيس لتركيا الموحدة، وذلك على وقع الإشكاليات الداخلية والخارجية التي أوقع البلد فيها، والتي تؤثر حتماً على الاستقرار التركي"، طبقاً لرئيس مجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار، والذي قال إن ""هناك قراءات تُشَبِه الدخول التركي إلى سوريا بدخول صدام حسين إلى الكويت، وما كان لذلك من تبعات تالية على استقرار العراق".
وتحدث درار لـ"نورث برس" عن الإشكاليات الداخلية في تركيا، والتي تدفع إلى ذلك السيناريو، بوصفه أردوغان "آخر ديكتاتوريات المنطقة"، ذلك أن الأوضاع الداخلية المتأزمة في تركيا، ولاسيما الوضع الاقتصادي، مع تراجع العملة التركية بشكل كبير، وحتى الانقسامات السياسية والانشقاقات التي تهدد حزب العدالة والتنمية، جميعها أمور تدفع بعدم تحمل الأتراك فاتورة سياسات أردوغان.
والشاهد أن الأوضاع المتأزمة في الداخل التركي وتنامي الغضب الشعبي ضد سياسات الرئيس أردوغان تدعم تلك القراءة السياسية المفسرة للموقف الأمريكي، بخاصة أن الفاتورة المتوقعة (سواء المادية أو البشرية وحتى السياسية والأمنية) الناتجة عن التدخل التركي في سوريا، ستكون في المرحلة المقبلة أصعب مما كانت عليه في أي وقت سابق منذ 2011، بخاصة في ظل تنامي الرفض الدولي للعملية التركية، والموقف الدولية المتواترة بشأن السياسات التركية في المنطقة، بما يضع أنقرة في المخنق.
عن نفس المقاربة، تحدث الأكاديمي السوري المقيم في موسكو، الدكتور محمد الحمزة، والذي عبّر عن احتمالية أن يكون الوضع الراهن بمثابة توريط لتركيا من أجل التدخل في سوريا، حتى الإطاحة بها وإسقاطها.
وقال إنه "بعد أن استجر ترامب تركيا للتدخل العسكري في شمال سوريا وفتح لها الأبواب فإنه يعلن فرض عقوبات على تركيا بسبب الوضع في سوريا، وترامب ليس وحده في توريط تركيا بل روسيا معه وإسرائيل.. هكذا فعلوا مع صدام حسين في العراق، استجروه للتدخل في الكويت وشجعوه ثم أقاموا الدنيا ضده إلى أن أسقطوه".
وفي ضوء تلك القراءة، فإن الرئيس إردوغان بين رحى الضغوطات الداخلية والانقسامات المُهدد بها بشكل دائم، والتي أفقدته في الفترات الماضية معارك انتخابية قوية خسرها حزبه، وبين ضغوطات خارجية تضعه -بسبب سياساته- في مصاف الدول المُهددة للأمن والسلم الدوليين.
لكنّ آراء أخرى تقلل من احتمالية تلك القراءة المُشبه عدوان تركيا على سوريا بغزو صدام حسين للكويت، يتمسك أصحابها بوصف التدخل التركي بأنه ليس احتلالاً، بقدر ما هو دفاعاً عن الحدود من تهديدات خارجية، على حد وصفهم.
دبلوماسي عربي -رفض ذكر اسمه- لم يستبعد تلك المقاربة، لكنّه في الوقت ذاته رأى أن العلاقات الدولية صارت أكثر ديناميكية ومرونة من أي وقت مضى، وأن المصالح المُتغيرة دائماً ما تدفع لقرارات ومواقف يعتقد البعض بأنها متضاربة، لكنّها في الحقيقة لا تكون متضاربة بقدر ما تعبر عن تغير المصالح، والتفاهمات التي تحدث هنا وهناك، كالمواقف الأمريكية من تركيا.
لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن "تركيا دخلت في أكثر من أزمة مع الولايات المتحدة وأوروبا، من بينها أزمة صفقة (إس 400) وحتى أزمة الأنشطة التركية شرق المتوسط، وبالتالي فإن النظام التركي يعمل ضد مصلحة حلفائه في حلف الناتو، ومن ثمّ فلا يُمكن استبعاد تلك القراءة أيضاً (..) في الملف السوري كل السيناريوهات مطروحة ومفتوحة على مصراعيها، ولا أعتقد بأن أنقرة لا تدرك ذلك أو لا تأخذ احتياطاتها، فهي لديها أيضاً كروت تبتز بها العالم مثل اللاجئين الذين تحتمي بهم".