التقنين القاسي للكهرباء في مناطق سيطرة الحكومة السورية يعيد الحياة إلى الأدوات البدائية
دمشق ـ نورث برس
يتذمر سكان في مناطق سيطرة الحكومة السورية من التقنين الكهربائي الذي قد لا يكون الأول الذي يطبق على السوريين، لكنه “الأقسى”، حيث ترافق مع مرحلة كادت تصل حد الانهيار الاقتصادي، وهذا يزيد من أعباء وتكاليف الحياة على الأسر السورية.
ويبلغ وسطي أجور الموظفين 60 ألف ليرة شهرياً، والمطلوب في الحد الأدنى للمعيشة لا يقل عن 600 ألف ليرة، بحسب سكان.
وما جعل التقنين أقسى، هو توقع السكان عموماً حدوث مزيد من الانفراجات بعد إعادة انتخابات الرئيس الأسد، “وإذا بهم يدخلون في نفق مظلم لا يظهر نهاية له.”
وساعات وصل الكهرباء في أغلب المدن السورية بالكاد تكفي لشحن الجوالات، وليس بمقدورها أن تحافظ على المواد الموجودة في الثلاجات، أو تشغيل المعامل والورشات، أو تؤمن الطاقة المطلوبة للري والزراعة.
مشاكل المونة والطعام
ولا تعمل البرادات، ولا تحتفظ بالثلج في الثلاجات، وهذا يحولها إلى ما يشبه “النملية”، التي كان يستخدمها الأجداد في حفظ الطعام لحمايته من النمل والحشرات، تقول وضحة السالم (50 عاماً) وهو اسم مستعار لموظفة حكومية في دمشق.
وهذا الحال أضاف أعباء جديدة على السكان. وتضاعفت تكاليف يوميات “السالم” وهي أم لخمسة أبناء، بعد هذا التقنين الفظيع، إذ أصبح عليها أن تؤمن حاجيات كل يوم بيومه.
وتشير إلى أن هذا الأمر يزيد النفقات والتكاليف التي ترهقهم وترهق غالبية المجتمع السوري “المرهق أصلاً.”
تلف المونة
وتتساءل فاطمة العلي (43 عاماً) وهي ربة منزل، كيف لها أن تشتري الفروج وتطهيه في ذات اليوم؟. وسعر أصغر فروج لا يقل عن 8-10 آلاف ليرة سورية؟.
وتعتبر أن هذا المبلغ بالنسبة لهم تبذير وهدر غير مقبول مع هذه الظروف الخانقة، إذ أن مخصصات بعض الأسر بالكاد تصل إلى فروج واحد خلال الشهر.
وجرت العادة مؤخراً، أن تعتمد معظم العائلات نظام التقنين الغذائي، حيث تقوم بتقطيع الفروج على سبيل المثال إلى قطع تحفظ في الثلاجة ليتم استخدامها كنكهات على الطبخات المختلفة، “لكن حتى هذا لم يعد متاحاً حالياً بسبب الكهرباء.”
وأضافت “العلي” أنها اضطرت لرمي الكثير من الوجبات المطبوخة في اليوم الثاني بسبب فقدان البرودة داخل البراد، إضافة إلى تعرض الخضار الصيفية التي تشتريها بالجملة للتلف، لأنها تبحث دائماً عن الأرخص.
وقال فادي غساسنة (50 عاماً) وهو موظف في قطاع خاص، لنورث برس، إنه اعتاد على شراء الجبس والبطيخ في الصيف لأنها فاكهته المفضلة، حيث يحتفظ بها على مدار الأسبوع، رغم ارتفاع سعرها.
ولكن مع هذا التقنين القاسي بالكهرباء، يجب عليهم، كما يقول، “القضاء على في اليوم ذاته” لأنه حتى لو وضعها في الثلاجة لن تدوم لأن الثلاجة لا يوجد فيها ثلج، وهذا أيضاً يقلل من استهلاكهم لفاكهته المفضلة.”
أما الخسائر الأخرى التي لم تكن في الحسبان فهي تلف محتويات الفريزة من مواد المونة التي اعتاد السوريون على حفظها.
وجرت العادة في فصل الصيف شراء الفول أو البازيلاء مثلاً، في مواسمها بسعر أرخص ويعاد استخدامها عندما يرتفع سعرها، وكل هذا من سلوكيات التحايل على الدخل التي اعتادها السوريون، لكن حتى هذا لم يعد متاحاً مع ظروف التقنين هذه.
تقول سارة منصور طالبة جامعية، لقد فاحت رائحة المونة في برادهم، وتلف كل شيء.
غير عادل
هذا التقنين الخانق ليس عادلاً كما يقول الكثير من السكان، حيث يزداد الضغط كثيراً على سكان المناطق الساحلية، وتنقطع الكهرباء أحياناً لأيام متواصلة، لأنها عندما تأتي، كما يقول فارس العلي يعمل في القطاع العسكري في دمشق، يكرر المصطلح الشائع هناك “سبعة بلمعة”.
وقد قالت صفاء لولو من مصياف تم التواصل معها على الواتس آب، إن وضع الكهرباء في أرياف مصياف سيء للغاية، ويتعاملون معهم كأرياف درجة ثانية لا تحتاج الكهرباء كما تقول.
واقترحت على الجهات المعنية تأمين “الدواب” لاستخدامها في النقل وتأمين الحاجيات، لأنهم مع هذا التقنين “يعيدون الناس إلى زمن الدواب وهي غير متواجدة حالياً.”
وأشارت إلى أنه كان عليهم أن يعتمدوا كما أجدادهم على طريقة تجفيف المواد الغذائية بدل التفريز، لكي لا يرموا كل محتويات الثلاجة كما حصل معهم.
والحال ذاته من ريف دمشق، فهناك من أطلق نداء استغاثة عبر فيس بوك من منطقة “زاكية” عن “إجرام” التقنين على حياتهم.
وقال صافي الفاكياني (50 عاماً) وهو صاحب ورشة خياطة في دمشق، إن أكثر ما يسيئه في كل موضوع الكهرباء هو دفع فاتورة الكهرباء، وهو يقضي نهاره في البحث عن وقود لتستمر آلاته في العمل.
وأضاف أن السكان يخسرون أضعاف الفواتير التي وصفها بـ”الكاذبة” بسبب خسارة المونة وتأمين الوجبات كل يوم بيومه.
لا تكييف ولا مراوح
مع الخسائر والتكاليف الكبيرة يصبح الحديث عن محاولات التخفيف من حرارة الصيف عن طريق تشغيل المراوح أو المكيفات أمر أشبه “بالفنتازيا”، يقول عزيز سويدان طالب جامعي يتحضر للامتحانات.
وأشار إلى أنه يفكر في بيع المكيف المعلق على جدار بيت عائلته بلا عمل والاستفادة من سعره.
وأضاف أنه في الليل تضعف الإنارة كثيراً، لأن شحن البطارية لا يكفيها للعمل، الأمر الذي يتسبب بمعاناة كبيرة للطلاب في فترة الامتحانات الجامعية.
ولا تخفي وزارة الكهرباء الواقع السيء لخدماتها، وقد أعدت الوزارة منظومة بينت فيها تراجعاً حاداً في حصة الفرد السنوية من الكهرباء، حيث انخفضت من 2378 كيلو واط في عام 2011 إلى 1190 كيلو واط ساعي في 2020.
وقد قدم وزير الكهرباء غسان الزامل عبر اتصال مع وسيلة إعلام محلية، اعتذاره للسكان مؤخراً، بسبب سوء واقع التغذية الكهربائية.
وعزا السبب إلى نقص كميات الغاز، وأن أي تحسن في وضع الكهرباء مرتبط بتوريد الغاز.
كما أشار إلى حاجة محطات التوليد للتأهيل، وخروج مجموعة توليد من محطتي محردة وبانياس عن العمل بسبب الأعطال.