لماذا لم تنتهي مجازر النظام بالإطاحة به؟ … لماذا ما زال بشار الأسد في منصبه , بل أعلن للعالم أنه استطاع فرض نفسه عبر صناديق اقتراع, و قلنا عن انتخاباته أنها مهزلة , لكنها حتماً كانت لها هدف أعمق و هو الإستهزاء بالديمقراطية التعددية الغربية التي يعتبرها معسكر الشرق مجرد خدعة للشعوب و فبركة غربية لا مكان لها في دول أسيا و لدى حلفاء الصين
الحرية التي نعرفها في دول الغرب من حريات شخصية و حق ابداء الرأي و تشكيل الأحزاب و الجمعيات لا بد أن نقر أنها لا مكان لها في كل الثقافات العالمية في عصرنا الحالي و لا بد أن نقر بأن الصراع الحقيقي هو في العمق صراع ثقافي بين مفهومين مختلفين لأدارة الشعوب و البلدان.
و شاء القدر أن تقع سوريا و لبنان و العراق و كل دول المشرق في مفترق الطرق بين هذين المنطقين المتصارعين . الصراع الصيني و الروسي مع الغرب هو صراع حضارات اليوم و ليس فقط صراع اقتصادي سياسي على النفوذ في هذا العالم.
و هنا نعود و نتسائل لماذا بقى الأسد و لماذا استمرت المعارضة التي أمامه بصورتها الحالية الفاشلة و الهزيلة؟
و لنكون واقعيين هذه المعارضة تمضي بقيادة جماعة الأخوان المسلمين التي لم تنجح بالإطاحة به, و لنا الحق أن نتسائل لماذا لم تنجح جماعة الأخوان في سوريا كما نجحت في كل من تونس و مصر و ليبيا ؟
وهذا بغض النظر عما حصل فيما بعد في تلك الدول, ففي المطلق الجماعات هناك كانت هي أيضاً المسيطرة على الأحزاب. بين قوسين يجب أن نوضح نقطة جوهرية تفسر عبثية الموقف و هي أنه في دول الديكتاتوريات في المشرق و المغرب لم توجد أمكانيات لصناعة واقع سياسي تعددي, اي مختلف عن ذاك الذي انتجه معسكر الشرق . و لم يسمح بتأسيس أحزاب بالمفهوم الغربي الحديث. بالتالي الأحزاب السياسية السورية التاريخية رغم تخلفها عن العصر فكرياً و ممارساتياً, هي كل ما كان متوفر لدينا يوم سمح دولياً و أميركياً للشعوب باعلان رفض الديكتاتوريات و كان الاخوان اكثر تمويلا و تنظيما. الأحزاب التاريخية السورية رغم استعمالها كثيراً في أدبياتها منذ عقود لمصطلح الديمقراطية الا أنها عملياً ليست ديمقراطية و لم يكن بحوزتها أي مشروع عملي ومنهجي جاد تقدمه للشعب لكي يتحويل النظام الديكتاتوري لنظام ديمقراطي, بل كانت و ما زالت تتوقع من الحلفاء الغربيين مساعدتها ادارياً على العمل و هي و للأسف تفهم الديمقراطية على أنها احتيال داخلي على الشعب و دسيسة و مؤامرات بين افرادو جماعات دون اي ضوابط .
يتحدث الجميع عن وجود أزمة حقيقة في قيادة المعارضة أي ما يسمى ب الأئتلاف السوري لقوى المعارضة و يؤكد المدافعون عن الإئتلاف أن هناك ديمقراطية بالممارسات و الدليل عملية تعاقب الأشخاص في منصب رئاسة هذا الأئتلاف . لكن الأزمة ليست فقط في قيادة المعارضة بل ألكارثة هي في مشروع التغيير ذاته
لحد اليوم قيادات المعارضة في صومعتها منسجمة فيما بينها , تهلل و تقدس افرادها بخطاب بعثي موحد و رغم خلافاتها الجزئية ألا أنها تتفق على منهج فساد اداري ينص على أن الديمقراطية هي مجرد ترشيح اشخاص و فسح مجال لفئة داخلية لاختيار مرشح متفق عليه بين المتأمرين مسبقاً.
بالنسبة لحلقة الناخبين فهي ايضاً متفق عليها مسبقاً ااً و في حالة المعارضة السورية كانت الشرعية بنظر المعارضة للدخول لهذه الحلقة المغلقة , هي لمن قبل بهم جماعة الإخوان المسلمين, و أيضاً و يضاف لهم من تم فرضهم خارجياً لكي يمثلوا مصالح اقليمية أو توجهات معترف بها من طرف خارجي مختلف عن الأخوان . فعلى سبيل المثال لو لم تدعم موسكو هيئة التسيق لما دخلت هذه الفئة السياسية حلبة المعارضة الرسمية, و لبقت هامشية لأن الواقع السوري خارج , الأئتلاف , حاملي السلاح و النظام غير موجود . بالتالي لو لم يحمل الكورد في قسد السلاح لما فرضوا انفسهم كطرف أخر في المعادلة , و لبقى الصوت الكوردي تحت عباءة الأخوان في الأئتلاف.. في الواقع السوري كل القضايا الأخرى التي لم يتم فرضها بطريقة ما تعتبر غير موجودة أصلاً , و مصطلح “فرض طرف ما في المعادلة السورية ” هو الأدق في مسألة الصراع السوري
مع هذا يقال أن أزمة المعارضة لنظام الأسد هي أزمة تمثيل و ما زال يتسائل البعض دولياً و محلياً بسذاجة كيف يمكن جمع المعارضين كلهم سوياً جميعاً متحدين للوقوف في وجه الأسد؟
. في الواقع هي ليست أزمة تمثيل فليس مطلوب من الثورة أن تفرز بديل شخصي عن بشار ألأسد و لا حتى بديل عن حزب البعث بل أخر ما يمكن أن يطلب هو فرز البديل.. المطلوب من الثورة هو أن تفرز حالة جديدة , حالة تعددية أكثر تطوراً عما عرفته سوريا منذ ولادتها. الثورة ما زال مطلوب منها أن تنضج فكر جديد عصري يشابه هذا الزمن و ليس تكرار الماضي الفاشل . . ,
عندما نطلع على مشروع جماعة الأخوان المسلمين, نجد الديمقراطية من منطلقهم اقرب لديمقراطية حكم الملالي في ايران . اي ما يسمونه حكم الشورى بينهم . عملياً هذا ما حصل في المجلس الوطني و بعده في ألإئتلاف و عندما تذمر الشباب صدروا للعالم واجهة لا تحكم عملياً بل تتصدر المشهد , و سمحوا بأن تكون هذه الواجهة منتخبة من قبل الحلقة الأوسع “فيما بينهم” و هي من المتفق عليهم ,.هذا هو باختصار مفهوم المعارضة اليوم للديمقراطية و هو المفهوم الأخواني الذي يرى الموضوع تحايل على الديمقراطية و استهزاء بها كما فعل بشار الأسد…
نحن في أزمة و مصدرها هو مجمل التناقضات التي بات يصعب تجاوزها, فهي تراكمت على مدار عشر اعوام و أكثر . أهمها هو كون المعارضة تعتبر نفسها في حلف المعسكر الغربي الديمقراطي و لكنها عملياً لا تقبل بالممارسات الديمقراطية الغربيةو لا بالعلمانية جدياً و لا بتشريع الحريات العامة التي منعها الأسد.
و هنا لا بد من الأشارة للدور التركي . فتركيا أيضاً فشلت بمهمتها في سوريا و هي التي احتضنت مشروع التغيير في سوريا و ارادت أن تتراس مشروع الغرب بتحول المجتمعات الأسلامية لمجتمعات علمانية ديمقراطية و كانت لها الشرعية لكونها خاضت التجربة . و لكن جماعات الأخوان المسلمين في سوريا رفضوا فكرة تطوير ذاتهم و حتى مجرد التحول جدياً لحزب سياسي, لم يقبلوا التعددية واعتبروا مشروعهم اجتماعي سياسي فوق الأحزاب كحال ملالي ايران و حزب البعث و الحزب الشيوعي الماوي في الصين
.
هل استهانت القيادة التركية بالأمر فوقعت في أزمة ؟
فسوريا ليست تركيا إذ أن العوامل التحولية التي وضعت تركيا على عجلة النمو السريع هي التي جعلت الأخوان الأتراك يقبلون العلمانية و التعددية و ليس العكس , فالتحول التركي ليس صنيعة حزب كما يظن أخوان سوريا و حلفائهم, بل هي كانت أرادة شعب كامل , هو من صنع الأحزاب و الجيش الوطني التركي منذ بداية الثمانينات, صاغ الدستور التركي الذي تم تدريجياً تعديله على مدى عقود و تم تطوير نظام الحكم من حكم عسكري لحكم برلماني. كما أن الذي سرع عملية التطور الديمقراطي و اطلاق الحريات هو رغبة تركيا بالدخول للإتحاد الأوروبي .
حزب العدالة و التنمية و أردوغان فهم مفرز للعملية الديمقراطية و ليسوا هم مؤسسيها . بالتالي لا وجه للمقارنة بين التجربة التركية و ماساة الشعب السوري و أما عن لجان الدستور و المؤتمرات العالمية المنتجة روسياً و تركياً و قطرياً باسم سوريا , فهي لن تنجز اي تطور و لن تحل الصراع الداخلي السوري القائم, لأنها باختصار لا تمثل اي تعبير عن ارادة سورية شاملة و عامة , هي تشير فقط بموضوعية لوجود صراعات بين أطراف داخل سوريا , اطراف تدير السلاح و تتحكم بمصير الناس دون اي مراعاة للمصلحة العامة و هذه المؤتمرات تنشد ربما الحل للصراعات الدولية .
أما داخلياً, فالمشروع الوحيد الذي كان يمكن أن تنضجه المعارضة هو برنامج استراتيجي جاد لتحويل النظام الحالي من نظام عسكري لنظام برلماني مؤسساتي و هذا لا يمكن دون توحيد جيش مؤسساتي وطني علماني لا يتبع لحزب و لا يبيع ولائاته لطرف و لا لأفراد