سكان في السويداء: فساد ورشاوى في مديرية المالية

السويداء- نورث برس

أمضى إبراهيم حسني (49 عاماً)،  وهو اسم مستعار لأحد سكان مدينة السويداء، جنوبي سوريا، مدة عشرة أيام متنقلاً بين مكاتب مديرية المالية في مدينته لإنجاز عدة تواقيع لمعاملة بسيطة.

واضطر “حسني” في نهاية الأمر لدفع مبالغ مالية فاقت مئة ألف ليرة سورية لموظفي المالية لقاء عدم إهمال إضبارته التي “لا تحتاج لأكثر من عشرة دقائق.”

وكي لا يتم تأجيل تسليم أوراقه إلى أجل غير مسمى. بحسب تعبيره

 وأراد الرجل في بادئ الأمر تقديم شكوى لمدير مالية السويداء حول التعامل السيء الذي يتلقاه من موظفي الدائرة، إلا أن أحد أصدقاءه أشار بأن الشكوى لن تنفعه، بل قد تعرقل معاملته أكثر.

ونهاية حزيران/ يونيو الفائت، انتهى مؤتمر الإصلاح الإداري في قصر المؤتمرات بدمشق بمشاركة رئيس الحكومة حسين عرنوس، وممثلين عن كل الوزارات، والذي انعقد بدعوة من وزارة التنمية الإدارية.

وذكر مختص اقتصادي يعيش في دمشق واشترط عدم نشر اسمه، لنورث برس، أنَّ المؤتمر لم يتطرق لمكافحة الفساد المتنامي في مؤسسات الحكومة ، وأنَّ توصيات المؤتمر صممت لتكون عامة وغامضة.

طلب رشوة

وقالت صافيناز الخوري (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة تعيش في السويداء، لنورث برس، إنها استغرقت 15 يوماً لاستكمال معاملة كان من الممكن أن تنهيها خلال يوم واحد، “في حال دفعت مالاً لبعض الموظفين”.

وأضافت أنها تفاجأت بحجم الفساد المالي لدى موظفي مديرية مالية السويداء وتعاملهم السيء معها، أثناء تسييرها لمعاملة مالية تتعلق بدفع ضرائب لملكية لأبنائها وجب سدادها.

و رغم إيحاء الموظفين للسيدة برغبتهم في رشوى مقابل تيسير أوراقها، إلا أنها عقدت العزم على عدم دفع أي رشاوى مالية لأي موظف حكومي.

“لا أرغب في أن أكون جزءاً من الفساد المالي وتعزيز ثقافة الرشوة.”

لكن أحد الموظفين داخل الأقسام المالية طلب منها الانتظار عدة ساعات حتى يدقق أوراقها.

 تقول: “ذلك رغم وجود تواقيع رسمية توضح بأن المعاملة الخاصة بي قد دققت ولا تحتاج سوى ختمه وتوقيعه.”

ورغم أن الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية السورية يعود لعقود مضت، “لكنه كان محصوراً في فئة محددة وحالات خاصة”، بحسب موظفين في السويداء.

  لكن مع انهيار الاقتصاد وارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية الذي رافق حالة الصراع في سوريا، بدأت المشكلة في التفاقم والانتشار.

وبحسب مؤشر مدركات الفساد في تقرير عام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، حلت سوريا في المرتبة 178 من أصل 180، وكانت من الدول الأكثر فساداً في العالم بعد الصومال وجنوب السودان.

تغاضي مسؤولين

وقال رتيب حازمة (50 عاماً)، وهو اسم مستعار لموظف حكومي يعمل داخل أحد أقسام مالية السويداء، لنورث برس، إن “الفساد المالي والإداري ليس جديد العهد داخل أروقة مالية السويداء، لكنه ازداد خلال سنوات الحرب.”

ويبرر “حازمة” سبب ازدياد لجوء بعض الموظفين لتلقي مبالغ مالية من المراجعين مقابل إنجاز أعمالهم بتعرضهم “لضغوط معيشية كبيرة.”

ويبلغ راتب الموظف الحكومي الثابت داخل مالية السويداء نحو 60 ألف ليرة سورية، وتضاف نسبة مئوية تُقدر ب 0.5 ٪ عن كل معاملة ضريبية في التحصيل المالي الضريبي العام نهاية كل شهر.

لتتجاوز رواتبهم الضعف، أي ما يصل إلى ١٢٠ ألف ليرة سورية في الشهر، “لكن حتى هذه العوائد المالية لا تكفي لتأمين المستوى المعيشي المنشود”، بحسب الموظف في دائرة المالية.

 ويقول موظفون إنهم يضطرون لدفع أجور مواصلات وسكن توازي رواتبهم دون أن يتبقى من رواتبهم شيء يغطي تكاليف معيشة لعائلاتهم.

ويعتقد “حازمة” أن “من الظلم أن نطلب منهم أن يتعاملوا مع المراجعين كما يتعامل موظفو حكومة تعطي موظفيها كامل حقوقهم.”

وأضاف أن معظم المديرين يتغاضون عن الفساد الذي أصبح “جزءاً من سياسات الحكومة”، على حد قوله.

ويرى “حازمة”  أن تحسين المستوى المعيشي للموظفين، وتفعيل دور الرقابة المالية والإدارية قد تنفع معاً “لضبط الفساد المالي المستشري.”

 واعتبر كمال غنيم (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لمسؤول حكومي في القطاع المالي بالسويداء طلب عدم كشف هويته لأسباب أمنية، السكان الذين يدفعون الرشاوى “مشاركين في الفساد العام.”

وقال إنهم يتحملون مسؤولية تهديم المؤسسات من خلال تشجيع بعض الموظفين على الاستمرار في فسادهم”.

وأضاف “غنيم” أن “أي موظف حكومي أُثبت تلقيه رشاوى مالية سوف تُتخذ بحقه إجراءات قانونية صارمة.”

لكن إبراهيم حسني ومراجعين آخرين قالوا إن الفساد يطال مناصب إدارية عليا، وهو ما يتسبب بعدم جدوى تقديم شكاوى أو محاولة التنصل من الخضوع لابتزاز الموظفين.

إعداد: سامي العلي – تحرير: حسن عبدالله