مبادئ وإجراءات ضرورية لتفعيل الاقتصاد السوري مستقبلاً

يؤكد أحد تقارير الأمم المتحدة (اطلعنا عليه) أن سوريا سوف تحتاج إلى نحو ثلاثين سنة لتعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة في عام 2010. ويبقى السؤال هو من  أين سوف تحصل سوريا على الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، وما هي أفضل الظروف الداخلية والخارجية لتأمين الحصول عليها، وأي نهج ينبغي اعتماده لإعادة الإعمار؟.

في مؤتمر عقد في بيروت بتحضير وإشراف عبد الله الدردري ومنظمة “الاسكوا”، قدرت حاجة سوريا لإعادة الإعمار بنحو 500 مليار دولار. غير أن باحثين سوريين (سمير العيطة وآخرون) عدو هذا الرقم مبالغ فيه ويمكن تخفيضه إلى نحو 200 مليار دولار وحتى أقل من ذلك. بغض النظر عن دقة الرقم المطلوب لإعادة الإعمار 500 مليار أو 200 مليار دولار أو غير ذلك، فإن السؤال الوجيه هو هل يمكن تأمين هذا المبلغ من المصادر الداخلية خلال فترة زمنية  قصيرة نسبياً؟. الجواب هو: من المستحيل تأمين ذلك في الوضع الحالي لسوريا، عداك عن أن السوريين الذين عانوا كثيراً من الصراع لن يتحملوا الحرمان عقوداً من السنين من أجل إعادة الإعمار. وأن الدول المانحة ليست جمعيات خيرية تقدم أموالها بلا حساب. بعض الدول المحتملة لمنح الأموال مثل دول الاتحاد الأوروبي وأميركا، أعلنت صراحة أنها لن تشارك في إعادة الإعمار إلا إذا تغير النظام السياسي بصورة جذرية وشاملة. بدورها الدول العربية في مجلس التعاون الخليجي لن تساعد في إعادة الإعمار إذا بقيت علاقات النظام مع إيران على حالها. ولذلك يراهن النظام على حلفائه مثل روسيا والصين وإيران، وربما يراهن على دول البريكست وغيرها. لكن في هذه الحالة سوف تستغرق عملية إعادة الإعمار عقوداً.

من جهة أخرى يطرح التساؤل حول قدرة نظام فاسد على قيادة وإدارة عملية اعادة الإعمار أصلاً، عداك عن حجم التخريب الهائل الذي حصل في شخصية المواطن السوري من جراء الصراع، لجهة تنامي قيم النهب والسلب والفساد، وغياب القانون والمحاسبة، مما سوف يرفع تكاليف إعادة الإعمار كثيراً.

بصورة عامة، وعلى افتراض أن تسوية سياسية ما سوف يتم التوصل إليها في نهاية المطاف، سوف تحول النظام إلى نظام ديمقراطي مما يخلق الظروف لحكم القانون والمحاسبة، بما يشجع الدول المانحة على تقديم المساعدة في إعادة الإعمار سوف تظل الحاجة ماسة لتأمين مجموعة من الشروط والظروف الداخلية لجذب الاستثمارات المحلية والعربية والدولية إلى سوريا. من هذه الشروط والظروف نذكر الآتي:

1- ينبغي خلق مناخ سياسي عام ملائم، يعزز من قيم الحرية، والمسؤولية، وسيادة القانون، يؤدي إلى مزيد من الأمان، والاستقرار، والشعور بالطمأنينة.

2- ينبغي تغيير النهج الاقتصادي القائم، على التدخل الحكومي الواسع، في الشأن الاقتصادي، واعتماد سياسات أكثر انفتاحاً.

3- ينبغي القيام بإصلاحات مؤسساتية عميقة، تطال البيئة التشريعية، والقضائية والإدارية، خصوصاً لجهة حماية الملكية، والعقود، وتشجيع المبادرات، وتسهيل المعاملات، وتسوية المنازعات، وغيرها.( صدر حديثاً قانون استثمار جديد برقم 18 لعام 2021 يعالج هذه المسائل، وسوف تكون لنا وقفة معه في مقالات لاحقة).

4- الاستمرار في تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار، من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، وخلق فرص للاستثمار، وتطوير السياسة الضريبية، ونظام الجباية، وسياسة التمويل، وإصلاح النظام المصرفي.

5- ينبغي تشجيع الاستثمار في المجال البشري، وفي مجال التكنولوجيا، باعتبارهما مجالين محفزين للاستثمار في المجالات الأخرى.

6- ومما له أهمية استثنائية، لجعل عجلة الاقتصاد تدور بسرعة، هو تحسين توزيع الدخل، وردم الفجوة الكبيرة، بين حصة الأجور والرواتب، وحصة الأرباح والريوع، من الناتج المحلي.

7- لا بد من التركيز، على تطوير الصناعة التحويلية، وعلى الزراعة، والكف عن تصدير المواد الخام، بما فيها النفط، لصالح إنشاء صناعة بتروكيميائية متنوعة، وصناعة غذائية، ونسيجية، موجهة نحو التصدير أساساً، ونحو إحلال الواردات اشتقاقاً.

8- من المهم والمفيد في السنوات الأولى للخروج من الأزمة التركيز على المشروعات الصغيرة المكثفة للعمل، بهدف امتصاص قوة العمل العاطلة، وفي الوقت ذاته، التأسيس للاستثمار في مشروعات عالية التقانة، خصوصاً في مجال الصناعات الثقيلة، التعدينية، والبتروكيميائية، وغيرها.

9- ينبغي تطوير القطاع السياحي، نظراً لأهميته الاستراتيجية، خصوصاً، وأن سوريا تتمتع بمزايا نسبية عديدة، وهامة، في مجال الصناعة السياحية، بكل أنواعها، وفروعها.

10- لا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة، قانونية، وإدارية، للقضاء على ما يسمى باقتصاد الظل.

هذه بعض الإجراءات الضرورية لما يمكن تسميته بالسيناريو المتفائل لإعادة الإعمار، وتحفيز عجلة الاقتصاد السورية للدوران من جديد. لكن بحسب فهمنا لطبيعة النظام، وما تبرهن ممارساته عليه، فإن احتمال الحل السياسي للأزمة السورية وفق القرارات الدولية ومنها القرار 2254، أو وفق صيغة مؤتمر وطني يؤسس لمسار للتغيير الجذري والشامل للنظام غير واردة في المستقبل القريب، وبالتالي فإن سيناريو استمرار الوضع الراهن هو الواقعي بما يسببه من معاناة شديدة للسوريين، خصوصاً وأن النظام تجاوز احتمالات إسقاطه بالقوة. في المقالة القادمة سوف نتحدث عن ضرورة اعتماد منهجية اقتصادية جديدة.