عمال بناء متوقفون عن العمل في تدمر بسبب نقص المواد

تدمر – نورث برس

توقف جمال الظاهر ( 35عاماً)، وهو من سكان مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، وسط البادية السورية، عن استكمال بناء محاله التجارية، رغم أنه وصل إلى مرحلة الأسقف، وذلك نتيجة “الارتفاع المفاجئ” في أسعار الحديد والإسمنت خاصة.

وكان العامل قد سعى لتحسين وضعه المعيشي عبر بناء خمسة محال تجارية لتأجيرها وزيادة دخل عائلته المكونة من سبعة أشخاص.

ومنذ نحو أسبوعين، تشهد تدمر ارتفاعاً في أسعار مواد البناء الأساسية كالحديد والإسمنت إلى الضعف، وسط نقص توفرها في المنطقة.

وفُقدت مواد البناء بشكل تام في بلدات وقرى بريف حمص الشرقي، ما أدى إلى توقف معظم ورش البناء عن العمل وخاصة أن السكان لا يستطيعون الشراء بهذه الأسعار.

وقام “الظاهر” باقتراض المال لبناء المحال وينوي رد المبلغ لاحقاً بعد إعمارها وتأجيرها، لكنه يخشى حالياً من اقتراض المزيد من المال أو عقد اتفاق مع إحدى الورش لإتمام عملية البناء، “لأن الأسعار في ارتفاع مستمر.”

وبحسب متعهدي بناء، فإن التجار لم يرسلوا أي مواد بناء من دمشق وحلب إلى اسواق تدمر منذ بدء الحملات الأمنية للقوات الحكومية ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المنطقة، خوفاً من حدوث اشتباكات تؤدي إلى خسارة البضائع أو مصادرتها.

وفي الحادي والعشرين من الشهر الماضي، بدأت القوات الحكومية بدعم من الطيران الروسي، بحملة تمشيط في سلسلة جبال تدمر الشرقية وسط البادية السورية.

وقال مصدر محلي، حينها لنورث برس، إن هدف الحملة هو محاربة خلايا التنظيم التي تنشط في منطقة البادية.

أسعار تتضاعف

وحالياً، يتراوح سعر الطن الواحد من الإسمنت ما بين450  و550 ألف ليرة سورية، بعد أن كان يباع بسعر 250 ألف ليرة.

وبلغ سعر الطن الواحد من الحديد “14 ملم” ثلاثة ملايين ليرة سورية، بينما وصل سعر الطن الواحد من الحديد “10 ملم” إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة سورية، بعد أن كان يباع سابقاً بنصف هذا السعر، بحسب متعهدي بناء.

لكن زيد الطه، وهو متعهد بناء في تدمر، قال إن حتى تلك الأسعار غير ثابتة وتختلف بين محل وآخر في ظل شح الكميات المتوفرة منها.

ورأى أن سبب تفاقم أزمة مواد البناء يعود، إضافة إلى الأوضاع الأمنية والعسكرية، إلى عدم وجود رقابة على التجار “والذين بدأ بعضهم بتخزين مواد البناء واحتكار كميات مخزنة بهدف استمرار رفع أسعارها في السوق.”

وقال محمد الخلف، وهو اسم مستعار لموظف في مكتب الشكاوى في بلدية تدمر، إن البلدية لا تستطيع إجبار التجار على توريد كميات وأنواع محددة من المواد للمدينة، “لأنهم من القطاع الخاص ولا يتبعون للقطاع العام، وبدورها البلدية ليست مؤسسة إسكان لتعمل على توفير مواد البناء.”

وذكر أن البلدية لم تستقبل حتى الآن أي شكاوى حول احتكار أحد التجار لتلك المواد في المستودعات.

لكنه لم ينكر وجود تجار يستغلون احتياجات السكان وسط ظروف الحرب والتطورات الأمنية والعسكرية.

وفي أيار/مايو عام 2015، سيطر التنظيم على مدينة تدمر، المدرجة على قائمة اليونسكو للمواقع الأثرية، وفي آذار/مارس عام 2016 استعادت قوات الحكومة السورية السيطرة عليها بدعم جوي روسي.

وفي كانون الأول/ ديسمبر عام 2016، عاود عناصر التنظيم السيطرة مجدداً على تدمر، وذلك بعد ثمانية أشهر من طردهم منها.

لكن القوات الحكومية تمكنت وبعد معارك عنيفة بين الطرفين من استعادة سيطرتها عليها أوائل آذار/مارس 2017 في ظل غارات جوية روسية مكثفة.

وبالرغم من عدة عمليات تمشيط سابقة وحالية تقوم بها القوات الحكومية بدعم روسي، إلا أنه أنشطة خلايا تنظيم “داعش” في تلك المنطقة تزداد، وسط مخاوف سكان من عودة ظهور التنظيم من جديد.

عمال متضررون

ورأى موظف البلدية الحكومية أن مؤسسة الإسكان في مدينة حمص تتحمل مسؤولية توفير مواد البناء، “إذ تعمل منذ ثلاثة شهور على تجهيز فرعها بمدينة تدمر لمراقبة الأسواق وضخ مواد البناء فيها بعد الانتهاء من افتتاح فرع المؤسسة.”

لكن سكاناً من تدمر قالوا إن حكومة دمشق تتبع سياسة الأولوية مناطقياً، وإنها تقدم الخدمات والاهتمام لمدن دون أخرى، ودون الاكتراث لأصحاب المنازل والمحال التي دمرتها الحرب، والعمال الذين توقفت مداخيلهم بسبب فقدان هذه المواد.

وقال أحمد المنجد (28عاماً)، وهو من سكان تدمر، إن المدينة تشهد “تهميشاً كبيراً، وليس هناك دعم من قبل الحكومة لمقومات الإعمار وإعادة الحياة للأبنية المدمرة.

ومنذ أكثر من أربع سنوات، يسعى سكان لبناء مساكنهم المدمرة في المدينة على نفقتهم الشخصية.

وأثر توقف ورش البناء على العشرات من العمال الذين يعملون كعمال مياومة، وتضم كل ورشة حوالي 25 عاملاً يتقاضون أجوراً يومية تتراوح بين  ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ليرة سورية، بحسب متعهدي بناء.

وقال عياش الجاسم، وهو عامل بناء ورب عائلة مؤلفة من أربعة أشخاص، إنه أصبح مديناً لبعض المحال التجارية بسبب توقف عمله واضطراره لجلب احتياجات عائلته بالدين.

والسبت الماضي، توجه “الجاسم” نحو بلدة السخنة شرقي حمص للبحث عن عمل في البناء “لكن معظم الورش هناك متوقفة أيضاً.”

 ورغم أن العامل يرى أن أجرته كانت “قليلة، لكنها تبقى أفضل من اقتراض المال الذي يحتاج لأجور شهر كامل لسداده.”

إعداد: آية الأحمد – تحرير: سوزدار محمد