صناعة الفخار تقاوم الاندثار في إدلب

إدلب – نورث برس

تعمد مروة حاج قدور (37 عاماً) إلى حفظ الماء نظيفاً وبارداً طوال فصل الصيف في آنية الفخار التي اشترتها من السوق لهذا الغرض.

ووجدت المرأة في الخابية المصنوعة من مادة الطين حلاً عملياً في ظل ظروف الحياة القاسية في الخيام.

وتعلمت النازحة التي تقيم في مخيمٍ في بلدة حزانو بريف إدلب من خلال تجربتها الخاصة، أن الأواني الفخارية قد تكون بديلاً مقبولاً عن الثلاجة في ظل غياب التيار الكهربائي.

“فهي تساعد على تقليل آثار ارتفاع حرارة الماء وتحافظ على الطعام خلال فصل الصيف.”

وتقول لنورث برس إن “لأواني الفخار قدرة على تبريد المياه وتنقيتها من الشوائب، إضافة إلى أنها أكثر صحية، وتضيف طعماً مميزاً.”

ويتصدر الفخار قائمة الأواني المنزلية في إدلب، ولا تزال هذه الصناعة تتحدى الاندثار في المدينة والبلدات التابعة لها، بسبب توفر المادة الأولية للصناعة، إلى جانب الإقبال عليها للاستفادة منها، أو الاحتفاظ بها كتحف لتزيين المنازل.

صناعة تراثية

لا يزال العديد من صانعي الفخار يحافظون على المهنة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم من الاندثار والضياع.

علاء ديب (41 عاماً) صاحب ورشة لصناعة الفخار من مدينة أرمناز القريبة من الحدود السورية التركية، يرى أن السبب الرئيسي لاستمرار هذه المهنة في مناطق إدلب وبقائها مزدهرة هو: “توافر التربة الغضارية” الخاصة بصناعة الفخار، “باعتبارها تمتلك قواماً متماسكاً وقابلية للتشكيل.”

ولا يخفي “ديب” أن صناعة الفخار تأثرت بالحرب السورية كباقي  المهن “بسبب انقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات وإغلاق طرق التصدير للخارج، إضافة إلى هجرة اليد العاملة.”

ويشرح “ديب” طريقة تشكيل الأواني الفخارية بقوله: “بعد غربلة التراب وتنقيته من الشوائب، يتم إضافة الماء حتى يصبح كالعجين، ثم توضع الطينة على الدولاب الدائري أو العجلة، وهي (آلة مخصصة لصقل وتشكيل الأواني الفخارية)، ثم يقوم الحرفيّ بتشكيل الأواني الفخارية على الدولاب أثناء دورانه.”

ويضيف: “هذه الحرفة اليدوية، تمثل العلاقة بين مهارة يد الصانع والتراب والنار.”

ويشكل “ديب” بيديه العديد من الأدوات منها رؤوس الأراجيل والأكواب والفناجين، والأباريق، والصحون والخوابي.

وبعد أن تُعرّض المصنوعات للهواء لمدة أسبوع حتى تجف، يتم وضعها في فرن يعمل على الحطب أو الكهرباء بدرجة حرارة كبيرة تتراوح بين 700 و 800 درجة مئوية.

وفي النهاية تكون مرحلة التلوين والتزيين والنقش، لتصبح القطعة جاهزة لطرحها في الأسواق.

ويشدد “ديب” على عشقه للمهنة، وهو ما دفعه لتطويرها من خلال إضافة الفن والزخرفة، حيث يعمد إلى طلي القطعة بدهان أسود وألوان ذهبية ونُحاسية، يتم من خلالها رسم وتلوين الأشكال.

بديل

وانتشر استعمال الأواني الفخارية في مطاعم إدلب، كما شاع استخدامها في مطابخ المنازل خلال سنوات الحرب التي تشهدها المنطقة  بديلاً عن الأدوات المصنوع من المواد الأخرى كالألمنيوم والكروم بشكل ملحوظ.

يقول أحمد الصبحي (39 عاماً)  الذي يبيع الأواني الفخارية على حافة إحدى طرقات مدينة إدلب، لنورث برس، إن “المهنة استعادت عافيتها خلال السنوات الأخيرة.”

وازدادت مبيعات “الصبحي” بسبب “ازدياد إقبال السكان على شراء خوابي المياه الكبيرة، والأباريق الفخارية لحفظ الماء البارد والزيت.”

كما ازداد الطلب على أصناف مختلفة، من المزهريات وكؤوس الشرب، وأنواع من الفخاريات المخصصة للمزروعات المنزلية والأباريق.

ويُرجع البائع إقبال السكان على شراء الأواني الفخارية إلى أسعارها المقبولة مقارنة بالأدوات المصنوعة من المواد الأخرى،

والحاجة للمياه الباردة مع قدوم فصل الصيف.

وتتراوح أسعار قطع الفخار بين 5 إلى100 ليرة تركية ما يساوي1.800 إلى 36.300 ليرة سورية، حسب الحجم والنقش ومهارة اليد العاملة.

ويقدم محمود الحسون (50 عاماً) وهو صاحب مطعم من سكان مدينة كفرتخاريم، الطعام لزبائنه بأوانٍ فخارية.

ويقول لنورث برس، إن “الأدوات الفخارية تحافظ على النكهة الحقيقية للوجبات، وتحفظ حرارة الطعام لحين تسليم الوجبات للزبائن.”

كما يمثل استعمال الفخار عودة للطبيعة، وبديلاً عن أدوات البلاستيك والحديد الضار بالصحة.

ويشير “الحسون” إلى أن الفخار “يضفي على المكان لمسات جمالية ومظهراً مميزاً وجذاباً.”

إعداد: حلا الشيخ أحمد – تحرير: حسن عبد الله